مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

الفرق بين (المصدر المؤوَّل ) و (الجملة الفعليَّة )

تستوقفني أحيانًا أسئلةٌ كثيرةٌ في النَّحو، أو قواعد لا أقتنع بها؛ فأشرع بالبحث عنها، ولكنَّ المشكلة أنَّني أحيانًا أبحث بدون جدوى، ولا أصل إلى شيءٍ يقنعني؛ فألجأ عندها إلى (حوار النَّفس ) ؛ فأتحاور مع نفسي، وأتقمَّص دور صاحب الحجَّة، ودور مَن ينتقدها وينفيها من أساسها؛ فأقوم بدورين؛ لعلِّي أصل إلى الحقيقة.

وفيما يخصُّ مسألة اليوم، فقد استوقفني كثيرًا الفرق بين (المصدر المؤوَّل ) المكوَّن من (أن ) والمضارع، والجملة الفعليَّة.

ودار الحوار كالتَّالي:
– أنا (الحائر ) :
في قول الرَّسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ” الإحسان أن تعبد الله كأنَّكَ تراه …. ” ، فإنَّ الخبر هنا هو المصدر المؤوَّل (أن تعبد …. ) ، فلماذا لا نقول إنَّ الخبر هنا هو الجملة الفعليَّة (تعبد ) ؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
لأنَّ هذا مصدرٌ مؤوَّل، مكوَّن من (أن ) + المضارع.

– أنا (الحائر ) :
ألا يحتوي المصدر المؤوَّل على فعل مضارع؟ وألا يلزم هذا الفعل فاعل بعده؟ فلماذا لا نعتبره جملةً فعليَّةً؟ وهل ينفي دخول (أن ) على الفعل بعده كونه فعلا، وكونه يشكِّل مع فاعله (جملةً فعليَّةً ) ؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
يبقى الفعل فعلا، ويبقى له فاعله، ولكنَّ دخول (أن ) عليه يتيح إمكانيَّة اعتباره (مصدرًا مؤوَّلا ) ؟

– أنا (الحائر ) :
فهل كلُّ (أن ) + فعل مضارع بعدها، تُسَمَّى مصدرًا مؤوَّلا؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
لا، فقد تُوجَد (أن ) ، وفعل مضارع بعدها، دون أن يُشَمَّيا معًا مصدرًا مؤوَّلا.

– أنا (الحائر ) :
هل يمكن أن تعطيني مثالا على (أن ) + المضارع، ولا يمكن اعتبارهما مصدرًا مؤوَّلا؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
في قولك: أوشكت السَّماء أن تمطر، لا يمكن اعتبار (أن ) + المضارع، في الجملة، مصدرًا مؤوَّلا.

– أنا (الحائر ) :
ولِمَ؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
لأنَّ خبر (كاد ) وأخواتها لا يكون إلا جملةً فعليَّةً، ولو اعتبرت الخبر مصدرًا مؤوَّلا، تكون قد خرجت بالخبر من (الجملة ) إلى المفرد!!

– أنا (الحائر ) :
وكيف ذلك؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
المصدر المؤوَّل هو ما يمكن تأويله باسم، كما في قول رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – سابقًا: “الإحسان أن تعبد الله كأنَّك تراه …. ” ، فالتَّقدير: الإحسان عبادتكَ الله كأنَّك تراه ….

– أنا (الحائر ) :
هل تقصد أنَّ نوع الخبر في الحديث (المصدر المؤوَّل ) مفرد؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
نعم؛ لإمكانيَّة التَّأويل بمفرد.

– أنا (الحائر ) :
ولكنَّنا في قولنا: التِّلميذ يؤدِّي واجبه، يمكننا التَّأويل بالقول: التِّلميذ مؤدٍّ واجبه، فلماذا يكون الخبر هنا جملةً؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
لأنَّ المصدر المؤوَّل لا يستحقُّ وصفه (مصدرًا مؤوَّلا ) إلا إذا استوفى الرُّكنين: (أن ) و (المضارع ) ، وهو ما لم يتحقَّق في جملتك.

– أنا (الحائر ) :
وما دام الخبر قد يكون مصدرًا مؤوَّلا، فلماذا ندرِّس لطلابنا منذ قرونٍ أنَّ أنواع الخبر هي: المفرد، والجملة، وشبه الجملة؟ لماذا لا نقول: والمصدر المؤوَّل؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
المصدر المؤوَّل ليس نوعًا مستقلا من أنواع الخبر، وإنَّما هو يندرج تحت (الخبر المفرد ) ؛ لإمكانيَّة التَّأويل بالمفرد.

– أنا (الحائر ) :
هل يعني كلامك أنَّ الخبر قد يكون مصدرًا مؤوَّلا، والمبتدأ قد يكون مصدرًا مؤوَّلا؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
نعم، كقولك: من الأفضل أن تجتهد؛ فالمبتدأ هنا مصدر مؤوَّل.

– أنا (الحائر ) :
ولكن كيف يتَّفق المبتدأ والخبر في نفس النَّوع (المصدر المؤوَّل ) ؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
لا يتَّفقان؛ فمن أنواع المبتدأ المصدر المؤوَّل، بينما الخبر لو ورد مصدرًا مؤوَّلا يكون من باب (المفرد ) .

– أنا (الحائر ) :
وما أنواع المبتدأ؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
المبتدأ قد يكون اسمًا ظاهرًا، وقد يكون ضميرًا منفصلا، وقد يكون مصدرًا مؤوَّلا.

– أنا (الحائر ) :
وما دام للمبتدأ أنواع كما للخبر أنواع، فلماذا لا ندرِّس للطَّالب طوال سنوات تعليمه إلا (أنواع الخبر ) ، دون أن نأتي بكلمةٍ على (أنواع المبتدأ ) ؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
هذا تقصير سخيفٌ احتار عقلي في تفسيره، ولا يعلم سرَّه إلا الجهابذة واضعو المناهج.

– أنا (الحائر ) :
ولكنَّني أفهم من كلامك أنَّ اسم (كان ) قد يأتي – كالمبتدأ – مصدرًا مؤوَّلا، وخبرها – كذلك – قد يأتي مصدرًا مؤوَّلا.

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
نعم، ويسري نفس الكلام عليها؛ فلو كان الاسم مصدرًا مؤوَّلا فهو من باب (الاسم الظَّاهر ) ، ولو كان الخبر مصدرًا مؤوَّلا فهو من باب (الخبر المفرد ) .

– أنا (الحائر ) :
ولكن في قوله – تعالى – : “ليس البرّ أن تولُّوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب …. ” ، ما إعراب المصدر المؤوَّل؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
وردت كلمة (البرّ ) في الآية منصوبةً؛ ممَّا يعني وقوعها خبرًا لـ (ليس ) مقدَّمًا، ويكون المصدر المؤوَّل بالتَّالي اسمًا لـ (ليس ) مؤخَّرًا.

– أنا (الحائر ) :
ولماذا لا يكون المصدر المؤوَّل في الآية خبرًا لـ (ليس ) ، وكلمة (البرّ ) هي اسمها؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
لورود كلمة (البرّ ) منصوبةً.

– أنا (الحائر ) :
ألا يُحتمَل وجود قراءاتٍ أخرى للآية وردت فيها كلمة (البرّ ) مرفوعةً؟ لأنَّني لا أرى مانعًا من اعتبار (البرّ ) اسم (ليس ) ، والمصدر المؤوَّل خبرها؟

– أنا (أحاول التَّبرير ) :
لا أعرف بصراحة؛ فليست لي خبرة بالقراءات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top