مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

هل مُنِع (عُمَر ) من الصَّرف للعَلَميَّة والعدل فعلا – رؤية نقديَّة

من المسلَّم به أنَّ النحو العربي قد بُنِي على كلام العرب، واستُنبِطتْ قواعدُه ممَّا نطقوا به، يوم أنْ كانت ألسنتهم تعبق بالفصاحة والبيان، وقبل أنْ يشوبها وما شابها من لحنٍ وفسادٍ دفَع النُّحاة إلى سنِّ القواعد، ووضع الأصول؛ لحفظ هذا اللسان الذي نزل به القُرآن، وصِيانة للغته من الزيف والانحِراف؛ لذا عُدَّ علم النحو من أسمى العلوم منزلةً وأنفعها أثرًا، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ النحويين قد اعتمدوا في تقعيدهم للقواعد على استِقراء كلام العرب، ثم إعمال الفكر واستنتاج الظواهر والعلل التي بُنِيتْ عليها تلك القواعد.

إذن …
فقواعد النَّحو – كما نعلم جميعًا – قد انبنت على كلام العرب، وليس العكس.

وبذلك، فقد كان الأمر مرتَّبًا كالتَّالي:
1 – تحدَّث العرب بفصاحتهم المشهودة، ودقَّتهم المعروفة.
2 – استقرأ النُّحاة كلام العرب.
3 – أعملوا عقولهم (البشريَّة ) في الظَّواهر اللُّغويَّة التي شاعت في كلمات العرب.
4 – استنبطوا قواعد النَّحو.

المشكلة أنَّ أغلب استنباطات هؤلاء النَّحو كانت منطقيَّةً ومتَّسقةً مع العقل، ولكنَ القليل ممَّا ذكروه يتعارض مع المنطق، وهنا تكمن المشكلة.

أعرف أنَّ قطاعًا عريضًا من المهتمِّين بالنَّحو العربيِّ وصلوا في تعاملهم مع كلِّ ما ورد عن النُّحاة الأوائل إلى حدِّ التَّقديس، واعتادوا على قبول كلِّ ما قال به هؤلاء، على أنَّه مسلَّمات لا يجوز مناقشتها، فضلا عن نقدها طبعًا.

هؤلاء يؤمنون بالنَّقل وحده، ولا يسمحون بمجرَّد التََّفكير، وإنَّما لا يرضيهم منك إلا أن تكون منصاعًا ومنسحقًا بشكلٍ كامل، وأن تنحِّي عقلك جانبًا، وهم يتعاملون مع العقل على كلِّ حالٍ على أنَّ إعماله وثنيَّة.

فإذا تجرَّأتَ وتعجَّبتَ من قولٍ ما ورد في كتب الأقدمين، أو تساءلتَ عن منطقيَّته، تحسَّسوا مسدَّساتهم!!

بالنِّسبة لي، فإنَني أُجِلُّ كلَّ ما ورد عن نحاتنا العظماء، ولكنَّني في جميع الأحوال لا أتعامل معه بأيِّ نوعٍ من أنواع القداسة، وهو عندي تراثٌ بشريٌّ، عظيمٌ بالتَّأكيد، ولكن قد يجانبه الصَّواب أحيانًا؛ فما تعارض منه مع العقل والمنطق رددته ولا أبالي.

وهنا، سأتناول قضيَّةً مسلَّمةً بها من النُّحاة، ولكنَّني فشلتُ في ابتلاعها أو هضمها طوال سنواتٍ؛ حيث رفض عقلي تمامًا الاقتناع بها.

وأنا هنا لستُ أنتقد، وإنَّما أتساءل:
– فلو لم يعجبك ذلك، أو تنوي أن تقول: ومَن أنتَ لكي تناقش ما قاله الأقدمون؟ فرجائي أن تكفي نفسك (وتكفيني ) العناء، وتنصرف عن قراءة المقال، وكفى الله المؤمنِين القتال.
– وإن كنتَ مستعدًّا أن تناقشني، وأن تأخذ بيدي إلى الصَّواب، بلا حدَّةٍ ولا تطاوُل، فأهلا وسهلا بك.

والقضيَّة هي سبب منع العَلَم (عُمَر ) من الصَّرف.

لم أجد بأسًا في تفسير النُّحاة لسبب منع جميع أنواع الأسماء من الصَّرف، إلا سبب منع (عُمَر )؛ فلم يقنعني أبدًا.

لاحظ النُّحاة مثلا، أنَّ هناك أوزانًا وردت في كلام العرب ممنوعةً من الصَّرف، وهذه هي [مرحلة الملاحظة ]، فبحثوا في تراثنا القديم (شعرًا ونثرًا ) [مرحلة الاستقراء ]، وأدركوا بقريحتهم الرَّائقة أنَّ هذه الأوزان، يجمعها جميعًا أنَّ ثالثها ألفٌ زائدة، بعدها: حرفان، أو ثلاثة أوسطها ساكن [مرحلة إعمال الذِّهن ]، ثمَّ جمَّعوا تلك الأوزان، واصطلحوا على تسميتها بصيغة منتهى الجموع، وجعلوا سبب منع هذه الأسماء من الصَّرف كونها على صيغة منتهى الجموع [مرحلة التَّقعيد – وضع القاعدة ].

وهكذا فعلوا في كلِّ أنواع الأسماء الممنوعة من الصَّرف، حتَّى وصلوا إلى (عُمَرَ ) وأشباهه، ولعلَّهم فكَّروا طويلا في سبب منع هذه الأعلام من الصَّرف، فلم يجدوا سببًا منطقيًّا؛ فـ (توقَّعوا ) أنَّه (ربَّما ) كان سبب منع (عُمَر ) مثلا، أنَّه محوَّل من عَلَم آخر (افترضوا أنَّه عامر )؛ فقرَّروا أن يدشِّنوا سببًا لمنعه من الصَّرف، اصطلحوا على تسميته بـ (العدل ).

ولكي تتفهَّموا وجهة نظري (وأتمنَّى ألا تسيئوا فهمي .. وأن تكملوا قراءة المقال إلى نهايته قبل أن تشرعوا في مهاجمتي )، فإنَّني أرجو أن تقرءوا الحوار (الافتراضيَّ ) التَّالي، بين طرفَين: أنا (ممثِّلا لمَن يرفض تفسير منع عُمَر من الصَّرف بالعدل – فضلا عن العلميَّة طبعًا )، وآخر (يمثِّل وجهة النَّظر الأخرى ):

أنا: أنا لا أنكر ظاهرة (العدل )، بل أؤمن بوجودها في التُّراث العربيِّ، وإنَّما لا أقتنع بأنَّ هذا (العدل ) هو السَّبب في المنع من الصَّرف.

الآخر: ولماذا؟

أنا: أوَّلا افتراض عدل (عُمَر ) عن (عامر )، هو في حدِّ ذاته افتراضٌ جدليٌّ، لا أعرف هل يقوم عليه دليلٌ أم لا (وأشكُّ في ذلك )؛ فإنَّ التَّأكُّد من كونه معدولا عن (عامر ) بالذَّات، ولس العكس، وليس العدل عن عَلَمٍ آخر، يحتاج دراسةً أنثروبولجيَّة مسحيَة ضخمةً وعلى أعلى مستوى، وفي الحقيقة فإنَّني لا أفهم: لماذا (عُمَر ) معدول عن (عامر )، وليس معدولا عن (عمَّار ) مثلا، أو عن (عمران )؟! بل وما الذي يمنع أن يكون العدل قد حدث معكوسًا (أي عدل عامر عن عُمَر )؟!!

الآخر: أراك استبعدت (عَمرًا ) [عمرو ]!!

أنا: لا يمكن أن يكون (عُمَر ) معدولا عن (عمرو ) بالذَّات، في حين أنَّ العكس ربَّما قد يكون هو الصَّحيح؟

الآخر: اشمعنى؟!! وما دليلك؟

أنا: دليلي عقليٌّ بحت؛ فالمؤكَّد أنَّ العرب زادوا الواو إلى (عمرو ) للتَّفريق بينه وبين (عُمَر )؛ فالطَّبيعيُّ – تبعًا لذلك – أنَّ (عُمَر ) أسبق في الوجود من (عمرو )، وبالتَّالي يستحيل أن يكون (عُمَر ) معدولا عن (عمرو ).

الآخر: هل هذا دليلك الوحيد؟

أنا: إذا تعاملنا مع ظاهرة (العدل ) على أنَّها ظاهرة قائمة بالفعل في الأعلام العربيَّة؛ وإذا افترضنا أنَّ (زيدًا ) معدول عن (زياد )، أو (يزيد ) [أو العكس ]، وأنَّ (سعدًا ) معدول عن (سعيد )، أو (أسعد )، أو (مسعود ) [أو العكس ]، فلماذا ولا عَلَم من هذه الأعلام مُنِع من الصَّرف؟!!

الآخر: ربَّما لأنَّ العدل هنا (لو افترضنا وقوعه أصلا ) لم يحدث من وزن (فاعل )، كما افترض النُّحاة في (عُمَر ) الذي قالوا إنَّه معدولٌ عن (عامر ) على وزن (فاعل ).

أنا: حسنًا، ورغم أنَّني غير مقتتنعٍ بجدِّيَّة الفرض من الأساس (فرض عدل عُمَر عن عامر، وليس العكس، وليس عن أيِّ عَلَمٍ آخر )، فإنَّني أسألك: إذا (افترضنا ) بنفس الطَّريقة، كون (صلاح ) معدولا عن (صالح ) الذي هو على وزن (فاعل )، فلماذا (صلاح ) غير ممنوعٍ من الصَّرف؟!!

الآخر: ربَّما يُشترَط في العَلَم المعدول (فضلا عن عدله من وزن فاعل )، أن يكون على وزن (فُعَل ) بالذَّات.

أنا: حسنًا .. لقد أَحصى النحاةُ ما ورد غيرَ مُنصرفٍ (على وزن فُعَل ) فكان خمسةَ عشرَ عَلمًا، وهي: (عُمَرُ وزُفَرُ وزُحَلُ وثُعَلُ وجُشَمُ وجُمَحُ وقُزَحُ ودُلَفُ وعُصَمُ وجُحى وبُلَعُ ومُضَرُ وهُبَلُ وهُذَلُ وقُثَمُ )، في حين عدَّها السيوطيُّ في “همع الهوامع ” أَربعة عَشرَ، بإسقاطِ (هُذَل ).

ومن المعروف أنَّه ورد في كلام العرب أعلام، بخلاف هذه الأعلام، ، يُتوقَّع أنَّها معدولةٌ عن وزن (فاعل ) بنفس الطَّريقة، ولكنَّها وردت مصروفةً.

الآخر: وما رأيك إذن؟ كيف يجب أن تُصَاغ القاعدة هنا؟

أنا: واللهِ لا أعرف، لكنَّ هذا لا يبرِّر لنا أن (نريح رءوسنا ) من عناء التَّفكير؛ فـ (نخترع ) سببًا للمنع يأباه العقل، ويجافيه الدَّليل.

اقتراح:
أرى التَّعليل لمنع (عُمَر ) وأشباهه من الصَّرف بسببَين: العَلَميَّة، وكونه على وزن (فُعَل )، على أن نقول لطلَّابن إنَّ (أغلب ) الأعلام على وزن (فُعَل ) ممنوعةٌ من الصَّرف، ولكنَّ هذا لا يمنع من كون بعضها ورد عن العرب مصروفًا.

وتلخيصًا لما سبق، فإنَّ هذه مبرِّراتي (العقليَّة ) لرفض أن يكون (العدل ) سببًا لمنع (عُمَر ) من الصَّرف:
1 – ما الدَّليل على كون (عُمَر ) معدولا عن (عامر )، وليس عن أيِّ عَلَمٍ آخر [كعمَّار – وعمران – وعمارة .. إلخ ]؟
2 – لماذا لا يكون (عامر ) هو المعدول عن (عُمَر )، وليس العكس؟
3 – لدى العرب مئات الأعلام عُدِلت عن بعضها، فلماذا لم تُمنَع هذه الأعلام المعدولة، ولا الأعلام المعدول عنها، من الصَّرف، كما مُنِع (عُمَر ) وأشباهه؟
4 – حتَّى لو ثَبَتَ على وجه اليقين عدل (عُمَر ) عن (عامر ) حصرًا، ودون أيِّ عَلَم آخر، وأنَّ العدل لم يحدث معكوسًا، فما الرَّابط بالضَّبط بين (العدل ) و (الممنوع من الصَّرف )؟ ولماذا يُفترَض أنَّ العَلَم ما دام معدولا، فإنَّ هذا يجب أن يؤدِّي تلقائيًّا وحتميًّا إلى حظر تنوينه، وإلى جرِّه بالفتحة؟؟

1 فكرة عن “هل مُنِع (عُمَر ) من الصَّرف للعَلَميَّة والعدل فعلا – رؤية نقديَّة”

  1. اوافقك القول وارى أن عمر وغير ه من الأسماء تمنع لعلتين هما:
    العلمية ووزن الفعل…
    وجزاك الله خيرا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top