مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

سلسلة (طلاسمُ نحويَّةٌ لا حلَّ لها ) – الحلقة الرَّابعة: حسَّان، وحيَّان، وغسَّان، وعفَّان؟؟

من المعروف أنَّ العَلَمَ المنتهي بألف ونون زائدتَين ممنوعٌ من الصَّرف: فـ (شعبان ) و (رمضان ) وأشباههما ممنوعان من الصَّرف:
– تقول: صمتُ رمضانَ – ولا تقول: صمتُ رمضانًا.
– وتقول: التقيتُ بشعبانَ (بالفتح ) – ولا تقول: التقيتُ بشعبانِ (ولا بشعبانٍ ).

أمَّا في (حسَّان ) فقد قالوا إنَّها جائزة الصَّرف، وجائزة المنع من الصَّرف. فلماذا؟

قالوا: إذا كان أصلها (حَسَنَ ) فهي مصروفة؛ حيث النُّون هنا أصليَّة (ووزنها في هذه الحالة: فعَّال ).

وإذا كان أصلها (حَسَّ ) فهي ممنوعةٌ من الصَّرف؛ لأنَّ الألف والنُّون هنا زائدتان (ووزنها في هذه الحالة: فعلان ).

ربَّما – بل من المؤكَّد – أنَّكم تعرفون هذا الكلام. فما المشكلة إذن؟ ولماذا عددتُ هذه الأعلام الأربعة (وما يشابهها ) من (طلاسم ) النَّحو العربيِّ التي (لا حلَّ لها )؟!!

إنَّ معنى ما ذهب إليه النُّحاة، وذكرتُه في السُّطور السَّابقة، أنَّه يحقُّ لك القول:
– قابلتُ حسَّانَ – وقابلتُ حسَّانًا.
– والتقيتُ بحسَّانَ – والتقيتُ بحسَّانٍ.

إذا قلتَ: قابلتُ حسَّان – والتقيتُ بحسَّانَ، فقد منعتها من الصَّرف.

وإذا قلتَ: قابلتُ حسَّانًا – والتقيتُ بحسَّانٍ، فقد صرفتها.

وهذه – في الحقيقة – مشكلةٌ لا حلَّ لها، ونوع – لو تعلمون – من أنواع العبث!! فلماذا؟

1 – إذا قلتَ: قابلتُ حسَّان – والتقيتُ بحسَّانَ. فالمفترض أنَّ (حسَّان ) المقصود، قد سمَّاه أبوه بهذا الاسم؛ قاصدًا أنَّه شديد الإحساس (من حَسَّ ).

2 – أمَّا إذا قلتَ: قابلتُ حسَّانًا – والتقيتُ بحسَّانٍ، فلا معنى لذلك إلا أنَّ (حسَّان ) هذا، سُمِّي (حسَّانًا ) من (الحُسن – أي الجمال ).

وموطن العبث هنا:
أوَّلا: أنَّه لا تعليل في الأسماء غالبًا؛ وأنَّ مَن سمَّى ولده (حسَّان – حسَّانًا ) قد سمَّاه بهذا الاسم هكذا جُزافًا: فلم يقصد أن يسمِّيه به تيمُّنا بأن يكون شديد الإحساس (فينبغي أن نعامل الاسم عندها معاملة الممنوع من الصَّرف: فنمتنع عن تنوينه، ونجرُّه بالفتحة )، ولم يقصد أن يسمِّيه به متغنِّيًا بشدَّة حُسنه وجماله (فنتعامل معه عندئذٍ على أنه مصروف: فننوِّنه بلا حرج، ونجرُّه بالكسرة )!!!!

ثانيًا: لا أعتقد أنَّ العرب القدماء قد سمُّوا بالاسم (حسَّان ) – وهو من الأسماء الأصيلة في تراثنا العربيِّ – إلا من (الحُسن )، وأنَّ القول باحتماليَّة اشتقاقه من (الحِسِّ ) مجرَّد لغوٍ، ولذا فأنا مؤمن تمامًا بأنَّهم صرفوا (حسَّان ).

ثالثًا: رغم وجهة نظري السَّابقة، فإنَّه لا مفرَّ من الإقرار بإمكانيَّة اشتقاق (حسَّان ) من (الحسِّ )؛ فلا يوجد مانعٌ نحويٌّ ولا صرفيٌّ يمنع ذلك للأسف، وهو ما يضفي على ذلك العَلَم (ومثله: غسَّان – وحيَّان )، المزيد من الصُّعوبة والغموض والارتباك؛ فـ (حيَّان ) مثلا، ورغم إيماني التَّام، بأنَّ العرب سمُّوا به من (الحياء – فيكون أصله حيَّ )، وبالتَّالي، فهو – على العكس من حسَّان – ممنوعٌ من الصَّرف، إلا أنَّه – وبنفس الطَّريقة – لا يوجد ما يمنع كونه مشتقًّا من (حَيَن )؛ فيكون عندئذٍ مصروفًا أيضًا.

رابعًا: كلُّ ما سبق ينطبق – للأسف – على (عفَّان ) أيضًا؛ فرغم أنَّه من البدهيِّ، والمُسَلَّم به، أنَّ العرب سمَّوا بـ (عفَّان ) من (العِفَّة )، وبالتَّالي فهو ممنوعٌ من الصَّرف، فقد وصل الزيغ بالبعض حدَّ أن قالوا إنَّه قد يكون مشتقًّا من (العفن )!! فيكون عندئذٍ مصروفًا. فهل تعرفون مَن الذي ذهب إلى اشتقاقه من (العفن )؟ إنَّهم الشِّيعة؛ من باب الانتقاص من (عثمان بن عفَّان )؛ بسبب ما بينهم وبينه من الخصومة!!!!

إذن، حتَّى السِّياسة – لعنها الله – دخلت على الخطِّ، وتدخَّلت في الموضوع!!

فليجبني عاقل بالله عليكم: هل سمَّى العرب بـ (عفَّان ) من (العفَّة )، أم من (العفن )؟!!

ورغم إيماني المطلق أيضًا باشتقاق (عفَّان ) من (العفَّة )، وكونها – تبعًا لذلك – ممنوعة من الصَّرف، إلا أنَّه لا يوجد مانعٌ نحويٌّ ولا صرفيٌّ أيضًا – للأسف – من أن تكون (عفَّان ) على وزن (فعَّال )، وليس (فعلان )؛ فتكون مصروفةً!!

فإذا قلتُ لتلميذي – من باب التَّيسير -: يجوز صرف (حسَّان )؛ على وجه أنَّ أصلها (حَسَنَ ) – ويجوز منعها من الصَّرف؛ على وجه أنَّ أصلها (حسَّ ) .. عندما أقول له ذلك، فهل هذا يُعَدُّ تيسيرًا، أم مسخًا للنَّحو وإهانةً له؟!!

إذا أردنا الدِّقَّة، فإنَّ علينا القول: إذا كانت مشتقَّةً من (الحُسن )؛ فالواجب صرفها في هذه الحالة (ومنعها من الصَّرف خطأ مؤكَّدٌ ) – وإذا كانت مشتقَّةً من (الإحساس )؛ وجب منعها من الصَّرف (وصرفها هنا خطأٌ لا شكَّ فيه ).

فهل من سبيلٍ لتطبيق ذلك عمليًّا؟؟!!
مستحيل!!

فليس من المعقول أن نتقصَّى أوَّلا عمَّا يعنيه المتحدِّث من معنى (حسَّان )، وأصل اشتقاقها في ذهنه، قبل أن نحكم على صحَّة كلامه أو خطئه؛ فهذا يتعارض مع العقل والمنطق والتَّصوُّر؛ خصوصًا وأنَّ المتكلِّم غالبًا لا يدري شيئًا نهائيًّا عن كلِّ ذلك، ولا يعنيه أصل الاشتقاق أصلا.

إذن، والخلاصة – للأسف -:
1 – إذا قلتَ: التقيتُ بحسَّانٍ، فسنعدُّ جملتك صحيحةً، حتَّى لو كان والده قد سمَّاه به من باب (الحسن ).
وإذا جادلك أحدٌ قائلا إنَّها يُفترَض أن تُمنَع من الصَّرف، فـ (استعبط ) وقل له: ربَّما كان أصلها (حسَّ ).

2 – وإذا قلتَ: التقيتُ بحسَّانَ، فسنعدُّ جملتك صحيحةً، حتَّى لو كان أبوه قد سمَّاه به من باب (الحسِّ ).
وإذا اعترض أحدٌ على منعها من الصَّرف، فجادله بالباطل وقل له: وماذا إذا كان أصلها (حَسَنَ )؟

اصرفها أو لا تصرفها يا بنيَّ، كما تحبُّ وتشتهي، وعلى النَّحو السَّلام!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top