مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

منذ فترةٍ طويلةٍ، يستوقفني هذا الفعل، وأكاد أجزم أنَّه مستحدث، وأنَّ العرب قديمًا لم يستخدموه.
1 – هو فعلٌ لازمٌ: يمكن مواجهة فايروس كورونا بالحذر وأخذ الحيطة.
هنا، الفعل (يمكن ) اكتفى برفع الفاعل (مواجهة ).
فهل هذا هو سبب غموضه؟
لا بالطَّبع!!
في العربيَّة ما لا يُحصَى من الأفعال اللَّازمة.
 
2 – قد يرد الفعل (يمكن ) متعدِّيًا أيضًا: يمكنك مواجهة فايروس كورونا بالحذر وأخذ الحيطة.
هنا، الفعل (يمكن ) رفع فاعلا (كلمة: مواجهة )، ونصب مفعولا به (كاف الخطاب ).
فهل سبب غموض هذا الفعل أنَّه قد يرد لازمًا، وقد يرد متعدِّيًا؟
لا!!
هناك من الأفعال في العربيَّة ما يكتفي برفع فاعله مرَّة، وما يتعدَّى فينصب مفعولا به مرَّة.
بل وفي العربيَّة ما يرد لازمًا مرَّةً، ومتعدِّيًا لمفعولٍ واحدٍ مرَّةً، ومتعدِّيًا لمفعولَّين مرَّة!!
كالفعل (زاد ):
– زاد المال بركةً. (لازم ).
– زاد الله المال. (متعدِّ لمفعولٍ واحدٍ ).
– زاد الله المؤمنِين عِزَّةً. (متعدٍّ لمفعولَين ).
 
إذن .. الفعل (يمكن ) فعلٌ لازمٌ، يكتفي برفع فاعله
ولا غرابة في ذلك
وقد يتعدَّى لمفعولٍ واحدٍ
ولا غرابة في ذلك
 
فما الغريب في أمر هذا الفعل إذن؟!
 
أرى سببَين للغموض هنا، كانا سببًا في اعتقادي بأنَّ هذا الفعل لم يعرفه أجدادنا العرب، بل إنَّني سأخلص في النِّهاية – كما سترون – إلى أنَّ استخدامنا له (قد يكون ) غير صحيحٍ أصلا!!
 
ومهمٌّ جدًّا أن أذكر – ابتداءً – أنَّني صنَّفتُ السَّببَين إلى: سببٍ أصليٍّ، وسببٍ فرعيٍّ.
دعونا نبدأ بالسَّبب الفرعيِّ لغموض الفعل (يمكن ):
1 – السَّبب الفرعيُّ:
استرعى انتباهي أنَّ هذا الفعل، عندما يرد متعدِّيًا، لا يتعدَّى إلى نصب مفعولٍ به اسمٍ ظاهر، ولا إلى مفعولٍ به ضمير نصبٍ متَّصلٍ، وإنَّما يتعدَّى فقط وحصرًا؛ فينصب مفعولا به عبارة عن ضمير نصبٍ متَّصلٍ من ضمائر النَّصب المتَّصلة الأربعة المعروفة:
أ – كاف الخطاب: يمكنك أيُّها العالَمُ مواجهة فايروس كورونا بالحذر وأخذ الحيطة.
ب – هاء الغيبة: العالَم يمكنه مواجهة فايروس كورونا بالحذر وأخذ الحيطة.
ج – ياء المتكلِّم: يمكنني مواجهة فايروس كورونا بالحذر وأخذ الحيطة.
د – نا المفعولَين: يمكننا مواجهة فايروس كورونا بالحذر وأخذ الحيطة.
 
على عكس أيِّ فعلٍ متعدٍّ آخر؛ فالفعل المتعدِّي قد ينصب مفعولا به ظاهرًا، وقد ينصب مفعولا به مضمرًا.
انظروا مثلا إلى الفعل (نعبد ):
– ينصب مفعولا به ظاهرًا: نحن نعبد اللهَ.
– وينصب مفعولا به ضمير نصبٍ متَّصلا: اللَّهمَّ أعنَّا على أن نعبدك حقَّ عبادتك.
– وينصب مفعولا به ضمير نصبٍ منفصلا: “إيَّاك نعبد “.
 
إذن ..
أنتَ قد تقول: يمكنه مواجهة فايروس كورونا بالحذر وأخذ الحيطة.، وأنت تقصد العالَم، بمعنى أنَّ المفعول به المقدَّم (هاء الغيبة ) عائد على (العالَم ).
 
بما يعني أنَّ الفاعل هو (مواجهة )، والمفعول به هو (العالَم ) الذي يعود عليه الضَّمير المتَّصل.
 
ومع ذلك، لا يمكنك التَّعويض بالاسم الظَّاهر عن الضَّمير مطلقًا، فلا يمكنك القول: يمكن مواجهة فايروس العالَم كورونا بالحذر وأخذ الحيطة!!!!
 
والخلاصة:
أ – الفعل (يمكن ) المتعدِّي، لا يتعدَّى إلا إلى ضمائر النَّصب المتَّصلة فقط.
ب – وبالتَّالي، فالفعل (يمكن ) المتعدِّي، مفعوله متقدِّمٌ على فاعله دائمًا وأبدًا.
 
2 – السَّبب الرَّئيسيُّ:
السَّبب الرَّئيسيُّ في غموض هذا الفعل – من وجهة نظري – عدم منطقيَّته وافتقاده لأيِّ معنى:
عندما تقول: يمكنك النَّجاح بالاجتهاد.
فما معنى هذا الفعل هنا؟!!
وهل يُعقَل أن يكون هناك معنى لقولك: يمكن النَّجاح أنتَ بالاجتهاد؟!!
ضعه في أيِّ سياقٍ آخر، وستُفاجَأ بنفس النَّتيجة/ لا معنى لهذا الفعل على الإطلاق!!
 
طبعًا (يُمكِن ) بضمِّ ياء المضارعة، وكسر الكاف، ماضيه لا بدَّ أن يكون على وزن (أفعَلَ )/ أمكّنَ.
وحتَّى لو جرَّبتَ استخدام الماضي منه، فلن تجد إلا نفس النَّتيجة:
أمكَنَكَ الفوز في المسابقة.
بالله عليكم، هل هناك معنى لقولك: أمكَنَ الفوزُ أنتَ في المسابقة؟!!
 
ملاحظة أخرى:
عندما تقول: ضربك صديقك، فالصَّديق (ضارب )، وأنت (الكاف ) مضروب.
أمَّا في (أمكنك الفوز )، فالفوز (ممكن ) بكسر الكاف ماشي، لكن هل يصحُّ أن تكون أنت (الكاف ) ممكَن بفتح الكاف؟!!
 
على العكس من هذا الفعل الغريب والشَّاذ، فإنَّ الفعل (مكَّنَ ) له معنى:
مكَّنَك الاجتهاد من النَّجاح.
مكَّن الاجتهاد أنتَ من النَّجاح.
وستلاحظون أنَّ (مكَّن ) لا يخالف (أمكَنَ ) أو (يمكن ) فقط في كونه فعلا له معنى في سياقه، وإنَّما في تعدِّيه إلى نصب المفعول به الظَّاهر أيضًا:
مكَّن الحذر النَّاس من مواجهة فايروس كورونا.
 
إذن ..
استخدام الفعل (يمكن ) متعدِّيًا لا يمكن أن يكون صحيحًا:
– فإمَّا أن يُستخدَم لازمًا، ومكتفيًا برفع فاعلٍ فقط.
– وإما أن نستبدل به الفعل المضي (مكَّن )، أو مضارعه (يُمَكِّن ) بفتح الميم وتضعيف الكاف.
 
أخيرًا، في الإنجليزيَّة يقولون: You can go .. والمعنى (بالعامِّيَّة ): تقدر تتفضَّل
أمَّا في العربيَّة، ففي رأيي، لا يجوز لك أن تقول: يمكنك الانصراف؛ حيث لا معنى نهائيًّا لقولك: يمكن الانصراف أنت!! وإنَّما الصَّحيح أن تقول: تستطيع أن تنصرف – في إمكانك الانصرف – في إمكانك أن تنصرف.
والله أعلم.

فكرتين عن“الفعل الغامض (يمكن )!!”

  1. جمال عبد الحميد

    ما شاء الله تعليق لغوي لطيف. وارى كذلك ان فاعله يأتي مصدرا مؤولا لا زما يمكن أن نلتقي اومتعديا ويمكننا ان نلتقي ويمكن اللقاء ويمكنكم التلاقي والفعل رباعي يبدأ بهمزة قطع زائدة على الثلاثي مكن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top