مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

إنَّ بعد الصَّبر يأتي الفرج. أين اسم (إنَّ ) وخبرها؟!!

جملة قريبة من هذه الجملة، وسؤال شبيه بهذا السُّؤال، وردا إليَّ من أحد الإخوة.

حسنًا ..

دعونا أوَّلا نحذف الحرف النَّاسخ من هذه الجملة:

– بعد الصَّبر يأتي الفرج.

هل هذه جملة؟

نعم، بالتَّأكيد.

هل هي جملة اسميَّة، أم جملة فعليَّة؟

جملة فعليَّة، فيها تقديمٌ وتأخيرٌ، وأصلها: يأتي الفرج بعد الصَّبر.

إذن ..

فالإشكاليَّة في جملة (إنَّ بعد الصَبر يأتي الفرج ) المذكورة، أنَّ الحرف النَّاسخ هنا، يُفترَض أنَّه – خلافًا للقاعدة – دخل على الجملة الفعليَّة، ومن ثَمَّ يصبح سؤال (أين اسم إنَّ وخبرها؟ ) سؤالا عبثيًّا، ولا معنى له!!

وبالتَّالي، يصبح السُّؤال المُلِحُّ في هذا المقام هو:

هل هذه الجملة صحيحة، أم غير صحيحةٍ؟

هذا سؤال مبدوء بـ (هل )، ولا يمكن أن تخرج إجابته عن أحد الاحتمالَين التَّاليَين:

الاحتمال الأوَّل: الجملة صحيحةٌ.

وهنا، علينا أن نواجه أنفسنا بالسُّؤالَين المؤرِّقَين:

1 – كيف دخل النَّاسخ على الجملة الفعليَّة؟!!

2 – أين اسم (إنَّ ) وخبرها؟!!

والاحتمال الثَّاني: الجملة غير صحيحةٍ.

وهنا، علينا أن نصارح أنفسنا بحقيقة أنَّ الجملة تبدو صحيحةً، بلا أيِّ تنافُرٍ، أو تناقُضٍ، أو غرابة!!

بالنِّسبة لي، فإنَّني أستبعد الاحتمال الثَّاني.

نعم ..

أرى الجملة صحيحة، لا تستغربها الأذن، ولا تنفر منها الفطرة اللُغويَّة السَّليمة، بل هي مألوفة بلا أيِّ غرابةٍ.

فأمَّا بالنِّسبة للسُّؤالَين:

1 – كيف دخل النَّاسخ على الجملة الفعليَّة؟!!

فإنَّني أرى أنَّ اللُّغة العربيَّة غير منطقيَّةٍ في الكثير من المواضع، وأنَّ قواعدها تتنافر مع العقل والمنطق في الكثير من الأحيان؛ حيث مصدرها الأهمُّ هو السَّماع والتَّواتُر، ولذا فلا مكان فيها للعقل غالبًا.

والكثير من قواعدها علينا أن نقبله مهما بدا متصادمًا مع التَّفكير المنطقيِّ، وأن نبتلعها ابتلاعًا، ما دامت مسموعةً عن أجدادنا العرب.

المهمُّ ..

أغلب قواعد اللُّغة نسبيَّة وغير مطلقةٍ.

وهنا مثلا، نقول لطلَّابنا (بيقينٍ نُحسَد عليه بصراحةٍ ): إنَّ النَّواسخ (حروفًا وأفعالا ) تختصُّ بالدُّخول على الجملة الاسميَّة، فإذا واجهتنا مثل هذه الجملة، تخبَّطت عقولنا في متاهةٍ محيِّرةٍ!!

وسبق أن نشرتُ مقالا هنا عن الأفعال العجيبة (يجب – يمكن – ينبغي )، والتي يدخل عليها الفعل النَّاسخ (كان ) مثلا (رغم مخالفة ذلك للعقل والمنطق والقاعدة ) فتقول:

– كان يجب الاهتمام بالعلم.

– كان ينبغي مواجهة التَّلوُّث.

– كان يمكن التَّغلُّب على مشكلة الزِّيادة السُّكَّانيَّة.

طبعًا تستطيع أن تدَّعي، أو تتكلَّف، أو تؤوِّل؛ للخروج من هذا المأزق، ولكن بعيدًا عن أيِّ تكلُّفٍ أو ادِّعاءٍ، فإنَّ الفعل النَّاسخ في الجمل الثَّلاث دخل على الجملة الفعليَّة، وهذه هي الحقيقة التي يُفَضَّل أن نعترف بها.

وقديمًا، قال الشَّاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منَّا …. على ما كان عوَّده أبوه

وهنا أرى أنَّ (كان ) دخلت على الجملة الفعليَّة، مع كلِّ الاحترام لمَن يرى مثلا أنَّ (كان ) هنا زائدةٌ، أو لمَن يمكن أن يتكلَّف أيَّ تقديرٍ يهرب به من هذه الحقيقة.

ورغم أنَّني لا أحبُّ التَّكلُّف، وأنَّ الأفضل – في رأيي – الاعتراف بمخالفة مثل تلك الجمل للقاعدة المعروفة، إلا أنَّ هناك حلًّا آخر، يمكن الإجابة به على السُّؤال الثَّاني الخاصّ بجملة (إنَّ بعد الصَّبر يأتي الفرج ):

2 – أين اسم (إنَّ ) وخبرها؟!!

حيث يمكن أن نعدَّ اسم (إنَّ ) في الجملة المذكورة، هو ضمير شأنٍ محذوف، وأنَّ خبرها هو الجملة الفعليَّة (يأتي الفرج )؛ فيكون التَّقدير:

إنَّه بعد الصَّبر يأتي الفرج.

ملاحظة:

حيلة تقدير ضمير شأنٍ محذوف، لا يمكن أن تحلَّ الإشكاليَّة في الجمل التي بدأناها بـ (يجب )، و (يمكن )، و (ينبغي ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top