أنواع البدل – رؤية نقديَّة

محمد محمود 19 أكتوبر 2018 | 5:51 ص تيسير النَّحو 3939 مشاهدة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأزواجه وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد،

فإن علم النحو يتميز -من ضمن ما يتميز به- بكثرة التصنيفات والتفريعات في الباب الواحد، وتعدد الصور للأصل الواحد، لكن الأمر في أحيانٍ كثيرة يزيد عن حده، وينقلب إلى تعقيداتٍ بلا طائل، وجعجعةٍ دون طحين، ولعل من أبرز تلك التعقيدات تفريع باب البدل إلى ثلاثة تفريعات؛ مطابق، وبعض من كل، واشتمال، ولم يضع النحاة حدًّا فاصلًا بين الأنواع الثلاثة، وخاصةً الأخيرين، فنجد التباسًا شديدًا بينهما، حتى بين المعلمين أنفسهم..

فبعضهم يضع حدًّا فاصلًا المادي والمعنوي، فما كان ماديًّا كان بعضًا من كل، كقولك: انكسر التمثال قاعدته، وما كان معنويًّا كان اشتمالًا، كقولك: أحب أمي حنانها.

ويظهر قصور ذلك الحد سريعًا، حين تقول: أعجبني الرجل قميصه، فالقنيص وإن كان ماديًّا إلا أنه ليس بعضًا من الرجل ولا جزءًا أصيلًا منه!

ويحاول بعضهم رأب ذلك الصدع فيقول إن البعض من الكل هو ما كان جزءًا حقيقيًّا، كقولك: قرأت القرآن نصفه، أما الاشتمال فهو ليس جزءًا حقيقيًّا لكنه كالجزء منه! وهذا التعريف الأخير أقرب للإبهام منه للإفهام!

ولن نخوض في ذلك محاولين وضع حدٍّ بين البعض من الكل والاشتمال؛ إذ لا نرى في ذلك ما يصنع فارقًا جوهريًّا لا في المعنى ولا في الإعراب، فلمَ نضيق واسعًا، ألا يكفينا أن نصنف البدل إلى كل من كل، وبعض من كل، فننهي بذلك تلك الخلافات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولن نهدم بذلك ثابتًا من ثوابت النحو، فهل ثمة ما يمنع؟!

لبسٌ آخر يعترض درس البدل، وهو التفصيل بعد إجمال؛ فتجد الكتب تشير إلى كونه بعضًا من كل، فإن قلنا مثلًا: تقدمت الأمة رجالها ونساؤها، فهم يصرون على أن رجالها بدل من الأمة وهو بعض منه، الأمر الذي يفتقد كثيرًا من الموضوعية، فالجملة لم تنتهِ عند رجالها وإنما وجب ضم المعطوفين لإتمام المعنى، وإلا فكيف نفرق بينها وبين قولنا: تقدمت الأمة رجالها، فهل يتساوى البدلان بين هذه وتلك!

ولا أجد ما أختم به في هذا المقام خيرًا من مقال حافظ إبراهيم:

إلى معشر الكتاب-والجمع حافلٌ-..بسطت رجائي بعد بسط شكاتي

فإما حياة تبعث الميت في البلى.. وتنبت في تلك الرموس رفاتي

وإما ممات لا قيامة بعده.. ممات لعمري لم يقس بمماتِ