خواطر عروضية

عماد غزير 19 أكتوبر 2018 | 10:32 م قسم عام 2720 مشاهدة

لكل منتج صناعي مواد أولية رئيسة، يستخدمها كل الصنعة في نفس المجال، لكن الفرق بين هذا وذاك إعادة ترتيب تلك المواد بأشكال مختلفة.

انظر مثلا لحجرة النوم التي تأتيك بألف شكل، لكنها في النهاية ألواح خشبية مقطعة بطريقة معينة، وأُعِيد ترتيبها لتعطيك شكلا ما، ثم يضفي الصانع عليها بعض الألوان حسب موهبته وذوقه الفني الخاص.

وانظر للأبنية المختلفة أيا كان شكلها، هي في البداية مجموعة طوب وأسمنت أُعِيد رصها وتوزيعها وتغطيتها بالجماليات لتخرج في شكل جميل.

لم أخرج عن الموضوع، بل قصدت أن الشعر العربي هو نفس الوضع، مكون من مواد أولية هي الحركات والسكنات.

لاحظ أن مادته الأولية هي الحركة والسكون لا التفعيلات.

وإعادة توزيع هذه الحركات والسكنات وفق شكل معين يعطيك البحر والموسيقى، لكنه لا يكون شعرا ما لم يضف الشاعر عليه من موهبته وأخيلته تلك الصور الجمالية والبلاغية التي تجعل لكلامه معنى، بالإضافة لمحافظته على الوزن.

في مجال الحاسوب أي داتا فيه، سواء كلمات أو صور أو صوت أو فيديو، هي عبارة عن أرقام صفر وواحد تلك هي اللغة التي يقرؤها الحاسوب، ثم تقوم نظم التشغيل المختلفة بإخراج تلك الأرقام إلى بيانات.

هذا ما يفعله الشاعر: حيث تتضافر الكلمات في ذهنه، فيحولها لصيغة موسيقية رقمية، ويروضها بحيث لا تشذ لفظة عن أخرى فتكسر الوزن وينتج النشاز الذي تميزه أي أذن.

الخليل بن أحمد رحمه الله لم يخترع العروض، وإن كان هو صاحب التسمية، وصاحب الاكتشاف، وصاحب المصطلحات، ومكتشف القواعد.

عبقرية الخليل لم تكن في صياغة تلك القواعد؛ فالشعراء كانوا يعرفونها بالفطرة قبل الخليل، بل حتى العرب غير الشعراء كانوا يعرفونها، وإن كانوا لم يستطيعوا أن يصوغوا على منوالها.

فرق كبير بين أن تعرف العروض، وبين أن تنظم الشعر.

فماذا كانت عبقرية الخليل إذن؟

رغم أني لا افقه في الموسيقى إلا أني اعرف أن أي لحن مكون من نغمات لا تخرج عنها هي دو ري مي فا صول لا سي.

وإعادة تشكيل النغمات ينتج صورا مختلفة من الألحان أيا كانت الآلة الموسيقية المستعملة.

بكتابة تلك النغمات استطاع الملحن أن يحتفظ.بلحنه من الضياع عن طريق صياغته مكتوبا فيقوم أي ملحن آخر بإعادة إنتاجه بالات مختلفة لن تخرج عن اللحن الأصلي.

الخليل فعل هذا بالضبط؛ حيث حول اللحن المسموع لنص مكتوب يحفظ تراث العرب من الضياع، ويقطع الطريق على من يحاول اللحاق بهم، وليس منهم فلولا العروض، لقال من شاء ما شاء ويسمي كلامه شعرا، فكيف كنت ستقنعه أن هذا لا يشبه شعر العرب؟

السؤال الملح هو إذا حافظ الشاعر على تلك الأساسيات لكن أعاد إنتاجها بصورة مختلفة لتعطي شكلا جديدا أو بحرا جديدا لم ينظم على منواله الغرب، فهل يُقبَل منه هذا؟

أقول إن هذا ممكن جدا وميسور لكل شاعر،  أن يخترع بحرا جديدا، ويحافظ على الموسيقى والشعر الفرسي حافل ببحور جديدة مختلفة عن شعر العرب، وفيها الموسيقى والجمال؛ لأنه يستعمل تفعيلات متآلفة لا متنافرة،

وشعر التفعيلة حافظ على الوحدة الأساسية لبناء اللحن الموسيقي، لكنه غير شكله فلم يستعمله بنفس العدد الذي استخدمه العرب في البيت الواحد الذي اختفى ليحل محله ما أسموه السطر الشعري.

لا  مشكلة لدي في التجديد.

لكن لكي نضع النقاط على الحروف لا نسمي هذا شعرا عربيا؛ فكما اخترعوا هذا الشكل عليهم أن يخترعوا اسما جديدا ليتمايز النوعان وتتبين الحدود.