كشف اللبس عن حقيقة (أمس ) و (الأمس )!!
شاع ودرج على ألسنة المتخصصين قولهم: (الكلمة التي إذا عُرِّفت نُكِّرت، وإذا نُكِّرت عُرِّفت هي أمس ) ومرادهم أن (أمس ) بدون (أل ) معرفة تدل على اليوم السابق فقط، وأن (الأمس ) المعرفة تدل على أي أمس، وسوف أبين إن شاء الله أن هذه المقولة غير صحيحة.
ولعل سبب شيوعها أنها وردت في الألغاز التي أرسلها صلاح الدين الصفدي للسيوطي، وألغز فيها ابن عبد السلام كما أشار لذلك الصبان، لكن ليس الكلام على إطلاقه، واللبس هنا ناشئ من معرفة حقيقة التعريف ومعرفة نوع (أل ) فيها كما سأبينه.
اعلم – رحمك الله – أن كلمة (أمس ) تطلق على اليوم السابق ليومك، وتطلق أيضا على أي أمس سابق، وكذلك كلمة (الأمس ) تطلق على اليوم السابق ليومك، وتطلق على أي يوم سابق، ولا يختص هذا بمعنى وذاك بآخر، وإنما (أمس ) علم على اليوم السابق ليومك، وهو كأي علم معرف بدون أداة مثل أحمد ومحمد؛ فورودها بدون (أل ) ليس تنكيرا لها، بل تعريفًا بالعلمية مثل: جاء أحمد، ونحن لا نقول إن أحمد إن نُكِّرت عُرِّفت أو عُرِّفت نُكِّرت؛ فهذا خلط، فإذا دخلت عليها (أل ) نوي تنكيرها أولا، ثم عُرِّفت بـ (أل )؛ لأنه لا يجمع بين علامتي تعريف، مثل أن نقول: جاء الأحمد؛ فإن أحمد هنا معرف بـ (أل ) لا بالعلمية، ولم يعرف بـ (أل ) إلا بعد إرادة تنكيره، وكذا الإضافة، مثل: مررت بأحمدكم؛ لأنه لا يمكن أن يضاف وهو معرفة، بل ينوى تنكيره أولا، ثم يتعرف بالإضافة بعدئذ، ويترتب على هذا خلاف في المنع من الصرف وعدمه إذا أضيف أو دخله (أل )، وليس هذا محل تحريره.
فإذا قصدت اليوم السابق ليومك مباشرة فإنك تبنيه على الكسر على لغة الحجاز؛ لأنه علم تضمن معنى الحرف (أل )، وهناك فرق بين التضمين وبين العدل؛ فبنو تميم يعتبرون هذا عدلا عن كلمة (الأمس )، ويمنعونه الصرف للعلمية والعدل، وبعضهم يمنعه الصرف رفعا فقط، وبعضهم يمنعه من الصرف رفعا ونصبا فقط، لكن الحجازيين يبنونه لتضمنه معنى (أل )، لا لعدله عما فيه (أل ).
ومع كونها علما معرفة بدون (أل ) فإنه يجوز تنكيرها كما يجوز تنكير العلم في مثل قولنا: مررت بأحمد وأحمدٍ آخر، وكقولنا: مررت بأحمد من الأحامد، فتنوي بها الشيوع، وإذن فإنها في هذه الحالة تُعرَب عند الجميع الحجازيين والتميميين ولا تُبنَى، وتكون نكرة دالة على أي أمس، ومنه قول الشاعر:
أمر غد أنت منه في لبس وأمس قد فات فاله عن أمس
فأما الدليل أولا أن أمس تطلق معرفة علما على اليوم السابق فهو كثير ولا مشاحة فيه، وأكتفي بنقلين فقط: قول المبرد مثلا (ومن المبينات (أمس ) تَقول: مضى أمس بِمَا فِيهِ، ولقيتك أمس يَا فَتى وَإِنَّمَا بنى؛ لِأَنَّهُ اسْم لَا يخص يَوْمًا بِعَيْنِه، وَقد ضارع الْحُرُوف وَذَلِكَ أَنَّك إِذا قلت: فعلت هَذَا أمس يَا فَتى فَإِنَّمَا تعنى الْيَوْم الذى يلىه يَوْمك، فَإِذا انْتَقَلت، عَن يَوْمك انْتقل اسْم (أمس ) عَن ذَلِك الْيَوْم ).
وأما الدليل أنها تنكر فقول ابن منظور: (أَمْسِ: مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ إِلا أَن يُنَكَّرَ أَو يعرَّف، وَرُبَّمَا بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ، وَالنِّسْبَةُ إِليه إِمسيٌّ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ) وقوله ( الْكِسَائِيُّ: الْعَرَبُ تَقُولُ: كَلَّمتك أَمْسِ وأَعجبني أَمْسِ يَا هَذَا، وَتَقُولُ فِي النَّكِرَةِ: أَعجبني أَمْسِ وأَمْسٌ آخَرُ، فإِذا أَضفته أَو نَكَّرْتَهُ أَو أَدخلت عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ لِلتَّعْرِيفِ أَجريته بالإِعراب، تَقُولُ: كَانَ أَمْسُنا طَيِّبًا ورأَيت أَمسَنا الْمُبَارَكَ وَمَرَرْتُ بأَمسِنا الْمُبَارَكِ، وَيُقَالُ: مَضَى الأَمسُ بِمَا فِيهِ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَخْفِضُ الأَمْس وإِن أَدخل عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ، كَقَوْلِهِ:
وإِني قَعَدْتُ اليومَ والأَمْسِ قبله
وقول ابن كيسان (وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ فِي أَمْس: يَقُولُونَ إِذا نَكَّرُوهُ كُلُّ يَوْمٍ يُصِيرُ أَمْساً، وَكُلُّ أَمسٍ مَضَى فَلَنْ يَعُودَ، وَمَضَى أَمْسٌ مِنَ الأُموس ).
فهذا واضح أن أمس كسائر الأعلام تُعرَّف وتُنكَّر كما هي.