من المعروف أنَّ طالب الصَّفِّ الأوَّل الثَّانويِّ يدرس البلاغة لأوَّل مرَّةٍ في حياته، وغنيٌّ عن القول أنَّ الكثيرين من هؤلاء الطُّلاب يعتبرون أنَّ البلاغة عقدةٌ تُضَاف إلى عقدة النَّحو
أرجوكم إخواني المعلِّمين، لا تسمحوا بحدوث ذلك .. لا تسمحوا بأن تتحوَّل البلاغة إلى عقدةٍ، ويكفي جدًّا ما يعانونه، ونعانيه نحن المدرِّسين، من اعتبارهم النَّحو مجموعةً من الألغاز واللُّوغاريتمات
وإذا كان هناك مبرِّر لصعوبة النَّحو بالنِّسبة للكثيرين؛ بسبب كونه مادَّة تراكميَّةً بطبعها، وتعتمد على ما يدرسه الطَّالب منذ الطُّفولة، فإنَّه لا يصحُّ أن تنتقل تلك العدوى المميتة إلى البلاغة، التي يدرسونها لأوَّل مرَّةٍ، والتي لا تعتمد على أيِّ معرفةٍ أو خبرةٍ مسبقةٍ
ولكنَّ ما يحدث للأسف، أنَّ أغلب الطُّلاب يعانون معاناةً شديدةً في فهم البلاغة، وإذا سلَّمنا بأنَّ من أسباب ذلك:
1 – ضعف مستوى الكثير من الطُّّلاب، الذين دخلو الثَّانويَّة بالغشِّ
2 – عدم حكمة أو حصافة أو خبرة الكثير من المعلِّمين
3 – غرابة هذا الفرع، كونهم حديثي عهدٍ به
إذا سلَّمنا بأنَّ هذه بعض أسباب ما أسمِّيه (أزمة البلاغة ) بالنِّسبة لطلاب الصَّفِّ الأوَّل الثَّانويِّ، ومن ثَمَّ طلاب الصَّفَّين الثَّاني والثَّالث الثَّانويِّ أيضًا، فإنَّ هناك سببًا أهمّ، وهو الاشتباك القائم بين (النُّصوص ) و (البلاغة ):
– ففي البلاغة: يبدءون خطواتهم مع البلاغة من التَّعبير الحقيقيِّ والتَعبير المجازيِّ، ثمَّ ينتقلون لدراسة الصُّور البيانيَّة، وأوَّلها التَّشبيه، ثمَّ الاستعارة، هذا عن منهج الفصل الدِّراسيِّ الأوَّل
– أمَّا في النُّصوص، وهذه هي المشكلة الضَّخمة، والطَّامَّة الكبرى، فإنَهم يسمعون كلامًا لا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال أن تستوعبه عقولهم الصَّغيرة؛ حيث يرد عليهم المجاز المرسل والكناية مثلا (ولن يدرسوهما إلا في الفصل الدِّراسيِّ الثَّاني )، بل والإيجاز والإطناب (اللَّذان لن يدرسوهما إلا في الصَّفِّ الثَّاني الثَّانويِّ )، وكذا الأساليب الإنشائيَّة، بل ويرد عليهم في أبيات النُّصوص من المحسِّنات البديعيَّة، ما لا يسمعونه فقط لأوَّل مرَّةٍ في حياتهم، وإنَّما، وهو الأسوأ، لن يدرسوها في البلاغة، لا في هذا العام، ولا في أيِّ عامٍ آخر!!!!
وهكذا نقول لطلابنا بكلِّ (بجاحة ): نعرف أنَّك لا تفهم معنى (المجاز المرسل )، ولكن معليش، اعمل نفسك فاهم، واحفظها هكذا وخلاص: (أيَّامنا ) مجاز مرسل!!
وأتذكَّر (علاء وليّ الدِّين ) رحمه الله في أحد أفلامه، وهو يهمس لصديقه الذي برَّحوه ضربًا، حتَّى كاد يموت: اعمل نفسك ميِّت .. اعمل نفسك ميِّت!!
فكأنيِّ بنا، ونحن نسدِّد الضَّربة تلو الضَّربة لعقل الطَّالب، حتَّى كاد عقله يموت إكلينيكيًّا، فنصيح فيه: اعمل نفسك فاهم .. اعمل نفسك فاهم!!
نعم .. لا داعي للفهم يا ولدي، و (بكره ) تعرف، ويكاد الطَّالب يقول وقد فرغ صبره: طب ما تسيبوا المجاز المرسل لـ (بكره ) على ما أفهم!!
(ويحفظ ) الطَّالب أنَّ هذه العبارة فيها (إطناب )، فإذا تجرَّأ وسأل معلِّمه: يعني إيه إطناب يا أستاذ؟!! يقول له: “لا تسألوا عن أشياء إن تُبدَ لكم تسؤكم ” !! يعني ضروري تسأل؟ ولازم يعني تفهم؟ هتعمل فيها أبو العُرِّيف؟!! وقد يقول له: لا تشغل بالك؛ فالإيجاز والإطناب مقرَّران في العام القادم، ويأكل الطَّالب أصابعه غيظًا، وهو يقول: ولماذا ندرسه الآن إذن؟!! فيجيبه المعلِّم: (احفظ ) وخلاص!!
أنعِم وأكرِم بالتَّعليم واللهِ!! هكذا التَّعليم وإلا فلا!!
يقولون لك: إيَاك من الحفظ والتَّلقين، ويعلِّمون الطَّالب الحفظ والـَّلقين، في صورتهما (الخام ) .. الحفظ والتَّلقين كما يجب أن يكونا .. الحفظ والتَّلقين كما أُنزِلا، وزيّ الكتاب ما قال!!!!
وهكذا يثور السُّؤال، الذي لا أعرف إجابته للأسف:
1 – هل نغضُّ الطَّرف عن هذه الصُّور في النُّصوص، ونتجاهلها، ولا نأتي لها على ذكرٍ؛ باعتبار الطَّالب لا يفهمها، ولن يدرسها في المرحلة السِّنِّيَّة الحاليَّة؟
2 – هل نؤجِّل دراسة النُّصوص حتَّى ينتهي من دراسة البلاغة؟
3 – هل نقول لطلابنا: معليش احفظوها كده وخلاص، واعملوا نفسكم فاهمين؟؟!!
لا عجب أن نكون في ذيل الأمم، وفي قاع الحضارة، وهذا هو تعليمنا!!!!
فكرتين عن“بلاغة الصَّفِّ الأوَّل الثَّانويِّ .. المهزلة!!”
فرعا النحو والبلاغة كلاهما يحتاج إصلاحا عاجلا
نأمل ألا تكون صرخاتكم في واد ….. وأن تجدوا آذانا مصغية
البلاغة صعبد جددددددددا