هل (يُبنَى فعل الأمر على ما يُجزَم به مضارعه )؟!
بقلم الأستاذ/ يسري سلال
برعاية موقع نحو دوت كوم
ينفرد النَّحو عن أيِّ علمٍ آخر بظاهرةٍ فريدةٍ .. وهي محاولة صياغة قواعد مطلقة .. بحجَّة تيسيره على المتعلِّمين .. الذين يعتبرونه غالبًا مجموعة من اللوغاريتمات والألغاز .. حيث يعاني الدَّارسون غالبًا من صعوبة النَّحو .. ويعتبرونه أصعب فروع اللُّغة العربيَّة على الإطلاق
ورغم أنَّني أتفهَّم دوافع مَن يصوغون تلك القواعد .. وأدرك غايتهم النَّبيلة .. ولكن هل (الغاية تبرِّر الوسيلة )؟ وهل نُبل الهدف يبرِّر فساد الوسيلة؟؟
1 – أغلب الطُّلاب يجدون صعوبةً في استخراج النَّعت الجملة والحال الجملة من القطع الامتحانيَّة .. وصعوبة التَّفريق بين هذه وتلك .. ففكَّر أحد الجهابذة في حلِّ هذه المشكلة عن طريقة صياغة قاعدةٍ سيِّئة السُّمعة تقول: (الجمل بعد النَّكرات صفات .. وبعد المعارف أحوال ) فكان من الطَّبيعيِّ أن يعدَّ الطُّلاب الذين يتعاطون تلك (المخدِّرات العقليَّة ) جملة (يذاكرون ) قد وقعت حالا .. لمجرَّد سبقها بمعرفةٍ .. في قولنا: التَّلاميذ يذاكرون!! [رغم وقوعها خبرًا ] وأن يعدُّوا جملة (لا يدركه …. ) قد وقعت حالا في قولنا: القناعة كنز من الرِّضا لا يدركه إلا المؤمن!! لمجرَّد وجود معرفةٍ قبلها [رغم وقوعها نعتًا ].
2 – وبنفس الطَّريقة .. فكَّر جهبذ آخر في تيسير درس البدل على الطُّلاب .. فصاغ لهم قاعدة (المعرَّف بأل بعد اسم الإشارة يُعرَب بدلا ) .. هكذا بشكلٍ مطلقٍ .. وهي هلاوس عقليَّة ليس إلا!! ولم يكلِّف هذا المعلِّم نفسه عناء أن يلحق بتلك القاعدة الفاسدة ما يفيد بأنَّه يُشترَط لذلك شروط .. منها أن يشير اسم الإشارة إلى ما بعده .. وألا يكون في الجملة تقديم وتأخير .. وذلك حتَّى لا يعدَّ الطَّالب – الذي يحفظ تلك القاعدة على أنَّها نوعٌ من المسلَّمات – أنَّ (الجميع ) قد وقعت بدلا في قولنا: العلم نور ويدرك ذلك الجميع!! [رغم وقوعها فاعلا ].
لا أريد أن أستدرك .. وهذان مجرَّد مثالَين من عشرات الأمثلة التي صِيغت بهدف تيسير النَّحو .. فمثَّلت في النّهاية طعنةً في ظهر النَّحو!!
أمَّا بخصوص قاعدة (يُبنَى فعل الأمر على ما يُجزَم به مضارعه ) فهي موجودةٌ في جميع الكتب الخارجيَّة والرَّسميَّة بلا استثناء .. وسؤالي: علامَ يُبنَى فعل الأمر؟
والإجابة:
يُبنَى فعل الأمر على:
أ – حذف حرف العلَّة: إذا كان المضارع منه معتلَّ الآخر:
– لا ترمِ القمامة في الشَّارع.
ب – حذف النُّون: إذا اتَّصل به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة:
– لتذاكري دروسكِ.
ج – السُّكون: إذا كان صحيح الآخر .. ولم يتَّصل به ضمائر، أو اتَّصلت به نون النّسوة:
– اقرأ بتأنٍّ.
– التزمن بالصَّلاة.
هكذا ترد قاعدة بناء فعل الأمر فقط في أغلب الكتب .. وهكذا كنتُ أجدها في الكتب المدرسيَّة منذ سنواتٍ .. فهل هذه وحدها علامات بناء فعل الأمر؟
بالطَّبع لا .. ففعل الأمر قد يُبنَى على الفتح أيضًا .. وذلك إذا اتَّصلت به نون التَّوكيد:
– أخلصنَّ العمل.
حسنًا .. لماذا ترد القاعدة في تلك الكتب مبتورة إذن؟ ولماذا يتمُّ إخفاء حقيقة بناء فعل الأمر على الفتح؟ وهل يحدث ذلك سهوًا؟
في اعتقادي أنَّ تجاهل حقيقة بناء فعل الأمر على الفتح يتمُّ عمدًا .. ومع سبق الإصرار .. والهدف من هذه الجريمة هو تبرير تلك القاعدة البلهاء (يُبنَى فعل الأمر على ما يُجزَم به مضارعه ) .. فالبناء على الفتح هو حجر العثرة الوحيد أمام تلك القاعدة .. ولولاها لصحَّت القاعدة .. ولصحَّ أن تكون مطلقةً .. ولكن .. وما دام فعل الأمر قد يُبنَى على الفتح .. والفعل المضارع لا يُجزَم إلا بالسُّكون وحذف النُّون وحذف حرف العلَّة .. فكيف تطاوعنا ألسنتنا أن نقول .. هكذا بشكلٍ مطلقٍ .. (يُبنَى فعل الأمر على ما يُجزَم به مضارعه )؟ وهل يمكن أن يُجزَم الفعل المضارع بالفتح؟؟!!
وبدلا من أن يراجع هؤلاء النَّاس أنفسهم .. فيصحِّحوا تلك القاعدة .. أو يزيلوها من كتبهم .. رأوا أنَّ الأفضل إزالة حقيقة بناء فعل الأمر على الفتح .. فهل هذه أمانة علميَّة؟!!
1 فكرة عن “هل (يُبنَى فعل الأمر على ما يُجزَم به مضارعه )؟!”
رائع استاذ
استمروا رجاء