مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

لِلنَّاشِئَةِ (بَدْءًا مِنْ سِنِّ 10 سَنَوَاتٍ )

سلسلة (طلاسمُ نحويَّةٌ لا حلَّ لها ) – الحلقة الثَّانية: تاء التَّأنيث

سلسلة (طلاسمُ نحويَّةٌ لا حلَّ لها )
الحلقة الثَّانية: تاء التَّأنيث
يسري سلال – مبادرة نَحْوَ نَحْوٍ جَدِيدٍ
 
ما يعرفه الجميع أنَّ تاء الفاعل (المتحرِّكة ) ضمير رفعٍ (أي أنَّها بمقام الاسم )، بينما تاء التَّأنيث (السَّاكنة ) حرف لا محلَّ له من الإعراب. ولكن ما لا يعرفه الكثيرون، أنَّ هذا الكلام، كان، ولا يزال، محلَّ خلافٍ، إلى يومنا هذا!!
 
فالمفترضُ أنَّك عندما تقول: أنا ذهبتُ – أنتَ ذهبتَ – أنتِ ذهبتِ، فإنَّ التَّاء في جميع هذه الجمل هي تاء الفاعل، وهي وقعت فيها جميعًا فاعلا. بينما إذا قلتَ: هي ذهبت، فالفاعل هو الضَّمير المستتر العائد على المبتدأ، رغم التَّكلُّف الواضح (وغير المقبول ولا المستساغ ) في تأويلك للجملة: هي ذهبت هي!!
 
وسنجيب اليوم على سؤالَين:
الأوَّل: لِمَ (اُضطُرَّ ) الفريق الذي اعتبر تاء التَّأنيث – على خلاف تاء الفاعل – حرفًا لا محلَّ له من الإعراب (وهم الأكثرون )؟
 
والثَّاني: لِمَ رفض فريقٌ آخر ذلك، واعتبر أنَّ تاء التَّأنيث يجب معاملتها معاملة تاء الفاعل سواءً بسواء؟
 
السُّؤال الأوَّل: ما حجَّة مَن اعتبر تاء الفاعل اسمًا وضمير رفع، وعدَّ – في نفس الوقت – تاء التَّأنيث حرفًا لا محلَّ له من الإعراب؟
 
السَّبب في ذلك التَّوجيه أنَّ تاء الفاعل تغني كلِّيًّا عن ذكر الفاعل، بينما تاء التَّأنيث لا تغني دائمًا عن ذكر الفاعل:
أنت تقول: أنا شربتُ الماء – أنتَ شربتَ الماء – أنتِ شربتِ الماء؛ فتغنيك التَّاء عن ذكر الفاعل.
 
ولكنَّك مع تاء التَّأنيث (قد ) تذكر الفاعل بعدها:
– البنت ذاكرت دروسها.
– ذاكرت البنك دروسها.
 
وهكذا قال هذا الفريق: إذا اعتبرنا تاء التَّأنيث فاعلا في الجملة الأولى، فماذا نفعل في الجملة الثَّانية، وقد صُرِّح بعدها بالفاعل؟؟!!
 
ولمَّا كان من غير الممكن (تقعيد ) قاعدتَين مختلفتَين بشأن تاء التَّأنيث؛ فنقول إنَّها إذا لم يأتِ بعدها فاعل تكون عندئذٍ ضميرًا في محلِّ رفع فاعلا، وإذا صُرِّح بعدها بالفاعل عُدَّت حرفًا لا محلَّ له من الإعراب!! أقول إنَّه لمّا كان ذلك غير معقولٍ ولا ممكن؛ إذ ينبغي تعميم القاعدة؛ فقد اُضطُرُّوا إلى إخراجها من الضَّمائر، وعدِّها حرفًا لا محلَّ له من الإعراب في جميع الحالات:
– فإن وليها فاعل فهي حرفٌ بالتَّأكيد.
– وإن سبقها الفاعل، اعتبرناها كأن لم تكن أيضًا، وتجاهلناها تمامًا، وقدَّرنا بعدها فاعلا مستترًا.
 
وردًّا على مَن قال: إنَّنا يمكن أن نقول: البنت ذهبت هي إلى المدرسة، قِيل إنَّ هذا الضَّمير المنفصل ليس فاعلا في هذه الحالة، تمامًا كما أنَّ إظهارك للضَّمير المنفصل بعد تاء الفاعل لا يعني أنَّ هذا الضَّمير المنفصل فاعل، وإنَّما التَّاء هي الفاعل، والضَّمير بعدها توكيد لها (ذهبتَ أنتَ إلى المدرسة ).
 
والفرق الوحيد بين التَّوكيد في الجملتَين، أنَّ (هي ) في الجملة الأولى توكيد للضَّمير المستتر، أمَّا (أنتَ ) في الجملة الثَّانية فهي توكيدٌ للضَّمير المتَّصل قبلها (تاء الفاعل ).
 
السُّؤال الثَّاني: لِمَ اعترض الفريق الثَّاني على عدِّ تاء التَّأنيث حرفًا، وطالبوا بإلحاقها بالضَّمائر، كتاء الفاعل؟
1 – رأى أنصار هذا الفريق أنَّ تاء التَّأنيث تؤدِّي نفس ما تؤدِّيه تاء الفاعل بالضَّبط في المثالَين التَّاليَين مثلا:
– أنتَ تناولتَ طعامك.
– هي تناولت طعامها.
وأنَّه كما أنَّ التَّاء في المثال الأوَّل تُعرَب فاعلا، فإنَّه يجب إعراب التَّاء في المثال الثَّاني فاعلا أيضًا.
 
2 – القول بتكلُّف تقدير فاعل مستترٍ، إذا سبق الفعل ضميرٌ منفصلٌ للمؤنَّث؛ إذ سيكون تقدير الضَّمير المستتر في هذه الحالة هو نفسه الضَّمير الأوَّل؛ ففي الجملة الثَانية إذا افترضنا صحَّة وجهة نظر الفريق الأوَّل الذي يعدُّ التَّاء هنا حرفًا لا ضميرًا، فإنَّهم يقدِّرون فاعلا مستترًا بعدها؛ فيقولون إنَّ التَّقدير: هي تناولت هي طعامها!! ومن الواضح ما في هذا التَّقدير من الرَّكاكة والتَّكلُّف.
 
3 – من الأمور التي تتشابه فيها تاء التَّأنيث مع تاء الفاعل، ويجعل من التَّمييز بينهما – في نظر هؤلاء – عبثًا، ما يصيب الفعل المعتلَّ من تغييرٍ عند (الإسناد ) إلى تاء التَّأنيث، ممَّا يشبه – إلى حدِّ كبيرٍ – ما يحدث للفعل عند (الإسناد ) لتاء الفاعل:
– فكما أنَّ الفعل المعتلَّ الأجوف عند (إسناده ) إلى تاء الفاعل يُحذَف منه حرف العلَّة: قال: قلتُ – قلتَ – قلتِ.
– فإنَّ الفعل المعتلَّ النَّاقص عند (إسناده ) إلى تاء التَّأنيث يُحذَف منه حرف العلَّة أيضًا: سعى: سعَت.
والمعروف أنَّ (الإسناد ) لا يكون إلا لضمائر الرَّفع أصلا.
 
4 – يذهب هؤلاء إلى أنَّ وجهة نظرهم قديمة، وليست مستحدثةً، وأنَّ هذا الخلاف قديم، ومن ذلك ما ورد في (الهمع ): “تلحق آخر الماضي تاء ساكنةٌ حرفًا، وقال الجلولي اسمًا “.
 
ومن أشهر مَن انتصر لاسميَّتها في العصر الحديث الدُّكتور عبد الرَّحمن أيُّوب في كتابه (دراساتٌ نقديَّةٌ في النَّحو العربيِّ )، والدُّكتور إبراهيم السَّامرَّائيّ في كتابه (النَّحو العربيُّ. نقدٌ وبناءٌ ).
 
5 – وللخروج من إشكاليَّة توالي فاعلَين في مثل قولك: فازت البنت في المسابقة، رأى هؤلاء أنَّ من ضمن الحلول:
أ – أنَّ مسألة (عدم توالي فاعلَين ) تُعَدُّ اعتبارًا فلسفيًّا يمكن تجاوزه، وأنَّه وإن صحَّ في (الموجودات )، فإنَّ الألفاظ لا تخضع له، وأنَّه لا مانع بالمرَّة من وجود لفظَين يدلان على الفاعل، وأنَّه يمكن القول إنَّ التَّاء فاعل، و (الطَّالبة ) اسمٌ يدلُّ على الفاعل أيضًا.
ب – يمكن إعراب (الطَّالبة ) في المثال المذكور – من وجهة نظرهم – للخروج من هذا المأزق، بدلا، أو عطف بيانٍ، أو حتَّى مبتدأ (والجملة قبله خبر ).
 
ملاحظة جانبيَّة مهمَّة:
للتَّفريق بين تاء الفاعل وتاء التَّأنيث، بطريقةٍ سهلةٍ وبسيطةٍ، يُرجَى مراعاة ما يلي:
(1 ) تاء الفاعل متحرِّكة، والفعل معها مبنيٌّ على السُّكون – وتاء التَّأنيث ساكنةٌ، والفعل معها مبنيٌّ على الفتح (بالعكس ).
 
(2 ) أيُّ فعلٍ متَّصل بالتَّاء مشتبهٍ عليك، فجرِّب أن تقدِّر بعده ضميرًا، وانتبه:
تاء التَّأنيث هي التَّاء التي لا يمكنك أن تقدِّر ضميرًا بعدها إلا (هي )، بينما لا يمكن تقدير (هي ) بعد الفعل المتَّصل بتاء الفاعل بأيِّ حالٍ من الأحوال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top