مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

هل الممنوع من الصَّرف المجرور بالكسرة، يبقى ممنوعًا من الصَّرف، أم لا؟

ربَّما يكون هذا السُّؤال قد خَطَرَ ببالك، وربَّما لم يخطر لك يومًا على بال، ولكنَّه – في الحقيقة – سؤالٌ مهمٌّ، ويتبادَرُ إلى أذهان الكثيرِين، وخصوصًا هؤلاء الذي يُعمِلون عقولهم، ولا يكتفون بترديد ما يُقال، وهؤلاء أحيِّيهم على وجه الخصوص.

وفي الحقيقة، فقد وجَّهتُ هذا السُّؤال سابقًا إلى أخينا عماد غزير، فقال إنَّ هذه المسألة فيها ثلاثة آراء، وأخَذَنَا الحوار؛ فلم أسأله عن هذه الوجوه الثَّلاثة، ولا عن حجج كلِّ فريق. ومع ذلك فإنَّه من السَّهل أن أتوقَّع أنَّ أحد هذه الوجوه هو بقاؤها ممنوعةً من الصَّرف (وإن جُرَّت بالكسرة )، وثانيها صرفها في هذه الحالة، والثَّالث غالبًا هو جواز الوجهَين.

ورغم أنَّ الكثير من مسائل النَّحو خلافيَّة للأسف، وكلَّ الآراء فيها جائزة (وهذا ممَّا يحزنني كثيرًا )، إلا أنَّ رأيي المتواضع، أنَّ الاسم الممنوع من الصَّرف يبقى ممنوعًا من الصَّرف، حتَّى ولو جُرَّ بالكسرة.

وأنا هنا سأتناول القضيَّة تناوُلا عقليًّا صِرفًا خالصًا، وهذا منهجي (كما تعلمون )، وفي النّهاية، فصدري مفتوح، ولا أحجر على الآراء، بل ولا أدَّعي أنَّ رأيي هو الصَّواب المطلق، ولكنَّه ما أؤمن به يقينًا على كلِّ حال.

من المعروف أنَّ أهمَّ ما يميِّز الاسم الممنوع من الصَّرف عن غيره أنَّه:
1 – لا يُنَوَّن.
2 – يُجَرُّ بالفتحة.

وفيما عدا ذلك، فإنَّ الاسم الممنوع من الصَّرف، لا يختلف (غالبًا ) عن أيِّ اسمٍ آخر، طبعًا مع وضع سبب منعه من الصَّرف في الاعتبار، وطبيعته التي آلت به إلى أن يكون ممنوعًا من الصَّرف.

ويعرف الجميع أنَّ الاسم الممنوع من الصَّرف (والذي يُفترَض أنَّه يُجَرُّ بالفتحة ) قد يُجَرُّ بالكسرة، وذلك في حالتَين:
أ – إذا عُرِّف بأل.
ب – إذا أُضِيف.

فإذا قلتَ: صلَّيتُ في مساجد كثيرة، فإنَّ (مساجد ) هنا ممنوعة من الصَّرف؛ لكونها على صيغة منتهى الجموع، وهي مجرورةٌ بالفتحة.

في حين أنَّك إذا قلتُ: صلَّيتُ في المساجد المجاورة لمنزلي، فإنَّ (المساجد ) مجرورةٌ بالكسرة؛ لورودها معرَّفةً بأل.

وكذا إذا قلتَ: صلَّيتُ في مساجد القرية، فإنَّ (مساجد ) مجرورة بالكسرة أيضًا، لورودها مضافةً.

ولكنَّ السُّؤال المهمَّ: هل يعني ذلك أنَّ (مساجد ) الأولى وحدها ممنوعة من الصَّرف، في جين أنَّ الاثنتَين المتبقِّيتَين مصروفتان؟؟

أعتقد أنَّ مَن يقولون بزوال المنع من الصَّرف في الجملتَين الثَّانية والثَّالثة، يتَّكئون على فقد الاسم لواحدٍ من أهمِّ ما يميِّز الممنوع من الصَّرف، وهو الجرُّ بالفتحة.

لكن فات هذا الفريق أنَّ الاسم ليفقد صفته (من حيث كونه ممنوعًا من الصَّرف )، لا بدَّ أن يفقد الصِّفتَين المميِّزتَين له معًا وفي نفس الوقت، وهما الجرُّ بالفتحة، وعدم التَّنوين. فهل فقد الاسم – في هذه الحالة – الاثنين معًا؟؟

أمَّا بالنِّسبة للجرِّ بالفتحة، فقد فَقَدَها بالتَّأكيد، أمَّا بالنِّسبة لعدم قابليَّته للتَّنوين، فلم يفقدها طبعًا، ولا تنسوا أنَّ مبرِّرَي الجرِّ بالكسرة (التَّعريف – الإضافة ) كلَيهما، ليسا مسوِّغَين لزوال صفة عدم التَّنوين؛ فمن البدهيِّ أنَّ المعرَّف والمضاف لا يُنَوَّنان أصلا.

إذًا، وسواءً ورد الممنوع من الصَّرف مجرورًا بالفتحة، أم مجرورًا بالكسرة (معرَّفًا، أو مضافًا )، فهو في الحالتَين لا يمكن تنوينه.

وبذلك، فهو في الحالتَين (الجرِّ بالفتحة – الجرِّ بالكسرة ) ممنوع من الصَّرف.

ولعلَّ المسألة تتَّضح أكثر إذا سألنا أنفسنا هذا السُّؤال (الذي ربَّما يراه البعض لا معنى له )، وهو:
– هل كلمة (مساجد ) في المثال الأوَّل، ممنوعة من الصَّرف؛ لأنَّها مجرورة بالفتحة؟
– أم هي مجرورة بالفتحة؛ لأنَّها ممنوعةٌ من الصَّرف؟؟
هههههه

هذا سؤالٌ فلسفيٌّ عميقٌ، كفيل بكشف المسألة بالكامل:
وفي الحقيقة، فإنَّ الصَّحيح بكلِّ تأكيد هو: إنَّها مجرورة بالفتحة؛ لأنَّها ممنوعة من الصَّرف (وليس العكس )!!

نحن ننطلق من حقيقة أنَّ الاسم هنا على صيغة منتهى الجموع، إلى حقيقة أنَّه – بناءً على ذلك – ممنوعٌ من الصَّرف، ثمَّ إلى حقيقة أنَّه مجرور بالفتحة (مع الوضع في الاعتبار بالطَّبع كونه غير معرَّفٍ ولا مضافٍ ).

بينما لا يمكن أن ننطلق من حقيقة أنَّه مجرور بالفتحة؛ لنستدلَّ بها على أنَّه ممنوع من الصَّرف؛ فليس كلُّ شخصٍ سيدرك أصلا أنَّه مجرور بالفتحة؛ فالفتحة حركة، لا يمكن استشعارها إلا برسمها، وما لم ترسمها، فإنَّ غير المتخصِّص، وغير المُلِمِّ بقواعد النَّحو، سيستحيل عليه إدراكها.

وقد يجادل شخصٌ فيقول: وغير المتخصِّصِين أيضًا قد لا يدركون أنَّ الاسم على صيغة منتهى الجموع، ومن ثَمَ فإنَّه ممنوع من الصَّرف، وبالتَّالي لن يستطيعوا الانتقال المنطقيَّ من هذه الحقيقة (التي يجهلونها ) إلى الحقيقة التَّالية، وهي الجرُّ بالفتح.

ولهؤلاء أقول: بعيدًا عن الجدال الذي لا طائل من ورائه، والذي يشبه السُّؤال الأزليَّ: البيضة وُجِدت أوَّلا، أم الدَّجاجة؟!! فإنَّني أسألكم: هل يُفترَضُ أن تدرِّس للطَّالب أوَّلا: متى يُجَرُّ الاسم بالفتحة، أم تدرِّس له أوَّلا الممنوع من الصَّرف؟!!

طبعًا، وبلا شكٍّ، ينبغي للطَّالب أوَّلا أن يدرس الممنوع من الصَّرف، ثمَّ يدرس جرَّ الممنوع من الصَّرف بالفتحة (والحالات التي يُجَرُّ فيها بالكسرة ).

إذن، كلمة (مساجد ) في الجملة الأولى مجرورة بالفتحة؛ لأنَّها ممنوعة من الصَّرف (وليس العكس )؛ فالأصل فيها أنَّها ممنوعة من الصَّرف، أمَّا الجرُّ بالفتحة فهو عارض، وقد يتغيَّر هذا العارض (بالتَّعريف، أو الإضافة )، ولكنَّه لا يغيِّر من الحقيقة شيء:
الممنوع من الصَّرف (المجرور بالفتحة – المجرور بالكسرة ) يبقى ممنوعًا من الصَّرف (خصوصًا وأنَّه في الحالتَين لا يمكن تنوينه ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top