مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

لي صديقٌ لا يكذب مثل خالد. متى تُعَدُّ هذه العبارة ذمًّا لـ (خالد )؟ ومتى تُعَدُّ مدحًا؟

عبارة قريبة من هذه انتشرت على فيس بوك مؤخَّرًا، مذيَّلةً بسؤال: هل هذا مدحٌ أم ذمٌّ؟

مَن يتابعني يعرف جيِّدًا أنَّني لا أحبُّ هذا النَّوع من الألغاز، وتحديدًا التي تحمل السُّؤال (مدح أم ذمّ؟ٌ )، وذلك لأنَّ هذه الجمل تحتمل الأمرَين دائمًا، وهذا هو الحال هنا أيضًا.

نعم ..
هذه الجملة يُحتمَل أن تكون مدحًا لـ (خالد )، ويُحتمَل – بنفس القدر – أن تكون ذمًّا له.

علمًا بأنَّني لا أقصد من مقالي هذا الإجابة على هذا السُّؤال الشَّائع، وذلك لأنَّني أعتبره سؤالا سخيفًا أصلا، خصوصًا إذا كان السَّائل يعرف على وجه اليقين أنَّ الجملة تحتمل الأمرَين معًا. أمَّا إذا كان السَّائل لا يعرف ذلك (أقصد احتماليَّة الأمرَين )، ويسأل بغرض المعرفة .. فهذا أمرٌ آخر.

المهمُّ ..
هذه الجملة يمكن أن يُقصَد بها مدح خالد، ويمكن أن يُقصَد بها ذمُّه:
– المدح: إذا كان المعنى: لي صديقٌ مثل خالد لا يكذب.
– الذَّمُّ: إذا كان المعنى: لي صديقٌ لا يكذب مثلما يكذب خالد!!

ليست الفكرة (وليس الغرض من المقال ) التَّأكيد على جواز المدح والذَّمِّ هنا، ولا حتَّى بيان معنى العبارة عند قصد المدح، ومعناها عند قصد الذَّمِّ، وإنَّما المغزى الحقيقيُّ من مقالي القصير هو لفتةٌ نحويَّةٌ طريفةٌ تتعلَّق بطريقة الجزم بالغرض المقصود (مدح أم ذمٌّ ).

مبدئيًّا، فمن المحال تمامًا الجزم هنا بغرض المتكلِّم؛ فلا شيء في هذه العبارة يمكن أن يكشف حقيقة الأمر أبدًا، وإنَّما هي تظلُّ تتأرجح بين المدح والذَّمِّ دون أيِّ قدرةٍ على التَّحديد بينهما!!

لكنَّ الحقيقة أنَّ مفتاح هذا اللُّغز يكمن في كلمة (مثل )!!
وقبل أن أستطرد، لا بدَّ من التَّوضيح أنَّ كلمة (مثل ) من الكلمات المغرقة في الإبهام، ومن أغرب ما يتعلَّق بها أنَّها قد تُعرَب – من ضمن ما تُعرَب – نعتًا، وقد تُعرَب حالا (رغم بُعد الشُّقَّة بين النَّعت والحال: فالنَّعت يطابق المنعوت في التَّعريف والتَّنكير، بينما الأصل في الحال أنَّها نكرة وصاحبها معرفة، والسِّرُّ في ذلك أنَّها من الكلمات التي لا تكتسب التَّعريف من إضافتها إلى المعرَّف ):
– أقبلت سيَّارةٌ مثل القطار.
– أقبلت السيَّارةٌ مثل القطار.
في الجملة الأولى تُعرَب (مثل ) نعتًا، وفي الثَّانية تُعرَب حالا؛ فلا تملك نفسك من أن تتساءل عن (شُبهة ) عدم مطابقة النَّعت المضاف إلى المعرَّف – في الجملة الأولى – لمنعوته، وعن إعراب الثَّانية – في الجملة الثَّانية – حالا رغم (شُبهة ) تعريفها!!

وهذا بالتَّحديد ما يكشف حقيقة جملتنا اليوم؛ فكلمة (مثل ) فيها ستُعرَب نعتًا أو حالا:
1 – إن أعربناها نعتًا، كانت الجملة مدحًا، والمنعوت فيها هو المبتدأ المؤخَّر (صديق )، وسيكون أصل الجملة: لي صديقٌ مثلُ خالد لا يكذب (وهنا قد تعود جملة لا يكذب على الصَّديق، وقد تعود على خالد، لكنَّها إن عادت على صديق فستكون في محلِّ رفعٍ نعتًا ثانيًا لصديق، وإن عادت على خالد فستكون في محلِّ نصبٍ حالا ).

2 – وإن أعربناها حالا، كانت الجملة ذمًّا، وصاحب الحال هو الضَّمير المستتر بعد (يكذب )، وسيكون المعنى: لي صديقٌ لا يكذب حال كونه مثل خالد (أي أنَّ وجه الشَّبه بين هذا الصَّديق وبين خالد أنَّ كليهما يكذبان!! ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top