لم أقتنع أبدًا، لا وأنا طفلٌ صغير، ولا وأنا في السَّابعة والأربعين، ولا وأنا طالب، ولا وأنا معلِّم، أنَّ (إيَّاك ) في قولنا: إيَّاك والكذب، أو غيرها من صور التَحذير بـ (إيَّاك )، ضمير نصبٍ منفصل مبنيٌّ في محلِّ نصبٍ مفعول به.
طبعًا، تعلمون جميعًا أنَّهم يعربون (إيَّاك ) في: إيَّاك الكذب – إيَّاك والكذب – إيَّاك من الكذب: ضميرًا مبنيًّا في محلِّ نصبٍ، مفعولا به لفعلٍ محذوفٍ تقديره (أحذِّر ).
فلماذا لم أقتنع أبدًا بهذا الكلام؟
1 – في الجملة الأولى (إيَّاك الكذب ) يُفترَض أنَّ الفعل المحذوف (أحذِّر ) قد نصب مفعولَين:
– المفعول الأوَّل هو ضمير النَّصب المنفصل (إيَّاك ).
– والمفعول الثَّاني هو كلمة (الكذب ).
وممَّا هو واضح، أنَّ الفعل المحذوف المزعوم يتعدَّى لمفعولَين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، فهل علمتم جملةً في العالم، تتضمَّن مفعولَين لفعلٍ محذوفٍ، في غير التَّحذير بـ (إيَّاك )؟
ولتوضيح ما أقصده، دعونا نبدِّل الجملة لنستخدم مفعولا أوَّل ظاهرًا، كأن نقول: أحذِّر الولد الكلب.
هل يُعقَل أن أقول: الولدَ الكلبَ فقط، فإذا تعجَّب المستمع ممَّا أقول، أدَّعي بأنَّ أصل الجملة: أحذِّر الولدَ الكلبَ؟!!
هل الحذف هنا مستساغ أو مقبولٌ أو معقولٌ؟؟
وهل يتصوَّر عاقلٌ أنَّ (الولدَ الكلبَ ) جملة؟! أو يمكن أن يتوقَّع مَن يسمعها أنَّ أصلها: أحذِّر الولدَ الكلبَ؟؟
وهل يُعقَل أن أقول: الفقيرَ جنيهًا، فإذا استبشع النَّاس قولي، ادَّعيتُ بأنَّني أقصد: أعطيتُ الفقيرَ جنيهًا؟!!
والخلاصة أنَّني لا أقتنع أبدًا أنَّه يمكن حذف الفعل المتعدِّي لمفعولَين، مع الإبقاء على المفعولَين المنصوبَين بادِّعاء أنَّ هذه جملة، وأنَّ فعلها محذوف.
2 – يفترض النُّحاة أنَّ معنى التَّحذير في الجمل المذكورة ينبع من الفعل المحذوف (أحذِّر )، في حين أجزم أنا أنَّ معنى التَّحذير في الجملة مستمدٌّ من (إيَّاك ) نفسها وبذاتها، وليس من أيِّ شيءٍ آخر.
ألم ترَ أنَّك لو رأيتَ طفلك يمسك بالكوب ويهمُّ بإلقائه على الأرض، فصحتَ فيه قائلا: إيَّاك، ألم ترَ أنَّه يستشعر فورًا لهجة التَّهديد والتَّحذير من (إيَّاك ) وحدها، ودون حاجةٍ لأن تقول له: إيَّاك وإلقاء الكوب؟؟!!
إنَّ التَّحذير يا سادة في لفظة (إيَّاك ) بذاتها.
3 – دعونا نعقد مقارنةً بين (إيَّاك ) في أسلوب التَّحذير، و (إيَّاك ) في سورة الفاتحة:
طبعًا هم يقولون إنَّ (إيَّاك ) في كلا الموضعَين ضمير نصبٍ منفصل وقع مفعولا به، أي أنَّهم يساوون بين (إيَّاك ) في قولي: إيَّاك والكذب، و (إيَّاك ) في قولنا: “إيَّاك نعبد “.
حسنًا .. إذا كانت هذه كتلك كما تقولون، فلماذا من الممكن حذف الفعل مع (إيَّاك ) في التَّحذير، بينما لا يمكن ولا يُعقَل ولا يُستسَاغ حذف الفعل من قولي: (إيَّاك أعبد )؟!!
أم أنَّكم ترون أنَّه يمكن القول فقط: إيَّاك (بتقدير: إيَّاك أعبد )؟؟!!
ملاحظة:
أفهم طبعًا إمكانيَّة الحذف إن دلَّ السِّياق على المحذوف .. كقولك: محمَّد؛ جوابًا لمَن يسألك: ما اسمك؟ فتكون (محمَّد ) جملة؛ حيث المبتدأ محذوف؛ لأنَّه مفهومٌ من الكلام.
لكنَّ هذا لا ينطبق على جملة (إيَّاك نعبد )
والخلاصة يا إخواني ….
أوَّلا: أرى أنَّ التَّحذير يكمن – كما قلتُ – في لفظة (إيَّاك ) بذاتها، وليس في أيِّ فعلٍ مفترضٍ آخر.
ثانيًا: ومن ثَمَّ لا أرى أنَّ هناك فعلا محذوفًا أصلا.
ثالثًا: أعتقد أنَّ (إيَّاك ) هنا ليست ضمير نصبٍ منفصلا، وإنَّما هي اسم فعلٍ مضارع (بمعنى أحذِّرك ).
رابعًا: السُّؤال الآن: لماذا هي – في رأيي – اسم فعلٍ مضارع (بمعنى أحذِّرك )، وليست اسم فعل أمرٍ (بمعنى احذر )؟
والإجابة:
لأنَّنا في جملة (إيَّاك والكذب ) تحديدًا، لو عددناها اسم فعل أمرٍ، لكان التَّقدير: احذر واحذر الكذب، وهذا تقديرٌ ركيكٌ.
بينما لو عددناها اسم فعلٍ مضارعٍ بمعنى (أحذِّرك )، لكان التَّقدير: أحذِّرك، واحذر الكذب، وهذا مقبول.
كما أنَّ التَّقدير (أحذِّرك ) صالحٌ تمامًا مع جملة (إيَّاك الكذب = أحذِّرك الكذب )، ومع جملة (إيَّاك من الكذب = أحذِّرك من الكذب ).
هذا واللهُ أعلم.
4 أفكار عن “هل (إيَّاك ) في أسلوب التَّحذير ضمير نصب فعلا؟”
هي إياك معربة ولا مبنية لو سمحتم
مبنيَّة
طبعا إياك ضمير نصب
كلام مقنع
شكراااا