مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

أفكار مقترحة للنُّهوض بالتَّعليم والمعلِّمين

أفكار مقترحة للنُّهوض بالتَّعليم والمعلِّمين

(اللُّغة العربيَّة تحديدًا )

أوَّلا: نظام التَّرقِّي .. رؤية جديدة:

آفة نظام التَّرقِّي في مصر أنَّ أساسه الوحيد هو الأقدميَّة، ورغم أنَّ هذا الأساس عادل من حيث مراعاة كبار السِّنِّ، وتكريم أصحاب الخبرة، إلا أنَّه غير عادل من حيث أنَّه يؤدِّي إلى انزواء الكفاءات في الظلِّ، حتَّى تشيخ على مقاعدها، وتبلغ من الكبر عتيًّا، وتستحقُّ الوصول إلى مكانتها التي كانت تستحقُّها منذ عشرات السِّنين، ولم يحُل بينها وبين الوصول إلى هذه المكانة طوال تلك السَّنوات إلا موضوع (الأقدميَّة ) .

وأنا أعرف موجِّهين يفتقدون الحدَّ (الأدنى ) من مقوِّمات (المعلِّم ) ، ناهيك عن (الموجِّه ) ، بل ولا يعرفون البديهيَّات والقواعد الأساسيَّة، ولا يجيدون – يعلم الله – الكتابة وأبسط قواعد الإملاء، ومع ذلك، وبدلا من الانزواء إلى الظِّلِّ، يقرِّرون أن يسلكوا الطَّريق إلى نهايته؛ فلا يستحون من الالتحاق بالتَّوجيه، ليقوموا بدور المرشدين لمعلِّمين، منهم مَن هو ليس فقط أكثر تمكُّنًا منهم بمليون سنة ضوئيَّة، وإنَّما، والأشدُّ مرارةً، أنَّ من بين تلاميذ هؤلاء المعلِّمين، مَن هم أكثر إلمامًا بقواعد اللغة من موجِّهي معلِّميهم!!

وما زلتُ أحمل في ذاكرتي، عندما عُيِّنتُ منذ حوالي ثلاثةٍ وعشرين عامًا، أنَّ الموجِّه العام للمادَّة في محافظتي وقتها، كان يُضرَب به المثل بين المعلِّمين في كلِّ مكانٍ، على المستوى البائس في اللُّغة العربيَّة بوجهٍ عامٍّ، والنَّحو بشكلٍ خاصٍّ، وحدث وقتها أن اُستُدعِيتُ إلى (تدريبٍ ) لمعلِّمي اللُّغة العربيَّة والتَّربية الإسلاميَّة، وفي أوَّل أيَّام التَّدريب، وبينما المعلِّمون – وأنا منهم – نتصفَّح اللوحة المعلَّقة على الحائط لمعرفة تواريخ المحاضرات، وأسماء المحاضرين فيها، إذا بصيحات المعلِّمين تتعالى في سخريةٍ، عندما وجدوا اسم هذا الشَّخص من ضمن المحاضرين.

وظلَّ الجميع في حالة ترقُّبٍ ينتظرون بشغف موعد محاضرته متسائلين: ماذا عساه سيقول؟!! وفي أيِّ شيءٍ سيحاضرهم هذا الجهبذ؟!!

وجاء اليوم الموعود، والكلُّ منتظرٌ بين ضاحكٍ، ومندهشٍ، ومتنمِّر، ليفاجئنا سيادته بتمثيليَّةٍ هزليَّة تليق به، حيث تقدَّم لإلقاء الدَّرس، ثمَّ تظاهر بأنَّه لا يستطيع، ولا يقبل، أن يحاضر في وجود (فلان ) ، ثمَّ أقسَمَ عليه بأغلظ الأيمان ليتقدَّم ويلقي المحاضرة بدلا منه!!

إلا أنَّ نظام التَّرقِّي على أساس الأقدميَّة له فائدةٌ واحدةٌ عظيمة لا تُنكَر، وهي أنَّه يغلق كافَّة أبواب المحسوبيَّة والواسطة، حيث لا يستطيع كائنٌ مَن كان أن يتخطَّى مَن هو أقدم منه، لمجرَّد أنَّه أغنى أو أقوى أو أكثر نفوذًا.

وأفهم تمامًا أنَّنا لو استبدلنا بنظام الأقدميَّة التَّرقِّي على أساس الكفاءة، فإنَّنا لا نفعل شيئًا في الحقيقة إلا أنَّنا نفتح باب الفساد والمحسوبيَّة على مصراعَيه؛ حيث سيُتَّخذ هذا المعيار (الكفاءة ) كستارٍ لكلِّ عمليَّات التَّرقِّي المشبوهة، وبابًا لكلِّ عمليَّات استغلال النُّفوذ.

ونحن – إذن – أمام خيارَين كلاهما مرٌّ: إمَّا أن يكون التَّرقِّي بنظام الأقدميَّة، فنقول لكلِّ صاحب موهبة أو كفاءة: معليش، اصبر خمسة عشر عامًا حتَّى تصل إلى الأقدميَّة المطلوبة، ونعدكَ أنَّنا عندها سنستفيد من هذه الموهبة، وإمَّا أن يكون التَّرقِّي بنظام الكفاءة؛ لنفتح الباب واسعًا (لكلِّ ديكٍ يصيح من على مزبلة ) ليترقَّى بدون وجه حقٍّ، ولمجرَّد امتلاكه للسَّطوة والنُّفوذ؛ بادِّعاء أنَّه كفء!!

فما الحلُّ؟ وهل سنظلُّ منسحقين بلا رحمة بين هذه (المطرقة ) وذلك (السِّندان ) ؟!!

هنا اقتراح مهمٌّ ..

في رأيي، ومبدئيًّا، لا مجال، ولا محلَّ، نهائيًّا، لنظام الأقدميَّة كمعيارٍ للتَّرقِّي، وأنا أدعو لأن يكون معيار الكفاءة هو المعيار الوحيد للتَّرقِّي، لكنَّ المهمَّ جدًّا، كيف نحصِّن هذا النِّظام من كلِّ صور إساءة الاستعمال، أو استخدام النُّفوذ والواسطة، للقفز على هذا المعيار؟

أرى أن يُعقَد لكلِّ منصبٍ قياديٍّ (مفتوح السَّقف فيما يخصُّ السِّنَّ ) امتحان يُقَسَّم إلى:

1 – امتحان في مادَّة التَّخصُّص.

2 – امتحان في أصول القيادة والإدارة.

على أن يُعَدَّ لكلا الامتحانين كتاب تفصيليٌّ يُمتحَن المتقدِّم في محتواهما، بلجان ملاحظة على أعلى مستوى، وبتغطيةٍ شاملةٍ من وسائل الإعلام، وبمراقبةٍ كاملة بشبكات الفيديوكونفرانس؛ ضمانًا للشَّفافيَّة والنَّزاهة، وحتَّى لا تتكرَّر المهازل التي حدثت من قبل في امتحانات الكادر.

وعلى مَن يرى أنَّ هذه إهانة له، وأنَ المعلِّم – كما يزعمون – لا يُمتحَن، عليه ألا يتقدَّم للتَّرقِّي.

والأهمُّ من ذلك، أن يُكلَّف كلُّ متقدِّم بتقديم مشروعٍ فكريّ شخصيٍّ عبارة عن بحث أو دراسة لقضيَّة تعليميَّة في أيِّ فرعٍ من الفروع.

أمَّا عن تصحيح الامتحانات، أو تقييم المشاريع البحثيَّة المقدَّمة، فتُشَكَّل له لجان على أعلى مستوى، ويُفَضَّل أن تكون من الجامعة، وأن تُختَار بنفس العناية، وأن تتمَّم كافَّة أنواع التَّصحيح والتَّقييم في مكانٍ خاصٍّ في القاهرة، بأرقامٍ سرِّيَّةٍ، ويُعلَن كلُّ متقدّمٍ بنتيجته بريديًّا، وبشكلٍ سرِّيٍّ تامٍّ؛ حفاظًا على كرامة الممتحنين الذين لن يُوَفَّقوا.

 

ثانيًا: النُّهوض بالمعلِّم مادِّيًّا .. رأيٌ ربَّما لا يعجبكم:

أؤمن بالحقائق التَّالية، وأنتَ تتَّفق معي بالتَّأكيد:

أ – وضع المعلِّم المادِّيُّ مُزْرٍ ومشينٍ ومهينٍ، ولعلَّه الأسوأ عربيًّا، وربَّما عالميًّا.

ب – المعلِّم حجر الأساس في نهضة أيِّ مجتمع، ورسالته سامية، ولا أمل في أيِّ نهضة لا تضع في اعتبارها النَّهوض به نهوضًا شاملا.

ولكنَّني أؤمن – في نفس الوقت – ولعلَّك ستختلف معي، بما يلي:

أ – وضع المعلِّم ليس أسوأ من وضع بقيَّة فئات المجتمع، باستثناء القليل من الفئات التي تمَّ تمييزها عن غيرها زورًا وبهتانًا، لاعتباراتٍ مختلفةٍ، والكلُّ يعاني كما يعاني المعلِّم.

ب – هناك فئات تعاني أسوأ ممَّا يعاني المعلِّم بمئات المرَّات، وهناك قطاع عريض يعاني من البطالة، وقطاع آخر تحت خطِّ الفقر بمراحل.

ج – وضع مصر الاقتصاديُّ كارثيٌّ، ولا أظنُّه يخفى على أحدٍ.

د – كلُّ مهنةٍ هي مهنة سامية، والعاملون (المخلصون ) فيها أصحاب رسالة؛ فليس المعلِّم وحده صاحب الرِّسالة، والعامل الذي يعمل في المدرسة صاحب رسالةٍ لا تقلُّ عن رسالة المعلِّم بأيِّ حالٍ من الأحوال.

وأرجوك، قبل أن تكمل، ألا تتسرَّع فتعتقد أنَّني ضدّ المعلِّم.

بالعكس، أنا معلِّم، وأشعر بكلِّ ما يعانيه المعلِّمون، وأرى مطالبهم عادلة، لكنَّ الفرق أنَّني (أنظر لحالي ) و (أنظر حولي ) في نفس الوقت، ويؤسفني أن أسمع المطالبات بتمييز المعلِّم عن بقيَّة فئات المجتمع؛ بادِّعاء أنَّ دوره أهمُّ وأكثر حيويَّة، ونحن إذا فتحنا هذا الباب، وأقصد به باب التَّمييز العنصريّ، وتقديم فئة على فئة بأيِّ مبرِّر، فنحن في الحقيقة نفتح الباب على مصراعيه لأكبر عمليَّة تمييز في التَّاريخ، ولن يكون مستغربًا عندها:

1 – أن تنادي فئة القضاة، بتمييزها بكادر خاصٍّ، ومميِّزات لا يتمتَّع بها سواها، ومخصَّصاتٍ ماليَّةٍ تتناسب مع (رسالتهم السَّامية ) ؛ بوصفهم حماة العدالة وسيفها.

2 – أن تطالب فئة رجال الشُّرطة بنفس التَّمييز؛ تقديرًا لـ (رسالتهم السَّامية ) ، وكونهم يحملون أرواحهم على أكفِّهم في كلِّ لحظةٍ.

3 – أن تطالب فئة الأطبَّاء بنفس المخصَّصات؛ مراعاةً لـ (رسالتهم السَّامية ) بوصفهم (ملائكة الرَّحمة ) .

4 – أن تطالب فئة أساتذة الجامعات بنفس الميِّزات؛ لأنَّهم يرون أنفسهم الأحقَّ بها.

وحدِّث ولا حرج.

لا مهنة أسمى من مهنة، ولا رسالة أعظم من رسالة، والقاضي إنسان، وضابط الشُّرطة إنسان، والطَّبيب إنسان، وأستاذ الجامعة إنسان، والمعلِّم إنسان، والمهندس إنسان، وعامل النَّظافة إنسان، والعاطل الذي لا يوجد ما يطعم به أولاده إنسان.

كلُّ هؤلاء بشر، ومتساوون، ولكلٍّ منهم أسرة يعولها، ويعيش في نفس المجتمع، ويعاني كما يعاني الباقون، أو هكذا يُفترَض أن يكون.

وليس المطلوب تمييز فئةٍ على فئة؛ فالكلُّ سواء، ومن غير المقبول أن تتفاوت الأجور بهذا الشَّكل المهين الكريه.

وأنا، وإن كنتُ أرفض تمييز فئة المعلِّمين على غيرهم من الفئات، فإنَّني أرفض في الوقت نفسه، وبنفس القدر، أن يتمَّ تمييز أيّ فئةٍ، تحت أيِّ مسمَّى، على المعلِّمين.

لا أطالب بكادرٍ خاصٍّ بالمعلِّمين، وإنَّما أطالب بإعادة هيكلة أجور جميع العاملين بالدَّولة، ورفعها لتتناسب مع الغلاء الذي نعانيه، مع إزالة كلِّ أشكال التِّمييز الطَّائفيِّ فيما يخصُّ الرَّواتب، ليتساوى الجميع.

طبعًا كلّ ذلك، بشرط أن يخرج مجتمعنا من أزمته، وتتحسَّن أوضاعنا الاقتصاديَّة، وهذا حلمٌ آخر بعيد المنال!!

 

ثالثًا: توزيع خطَّة اللُّغة العربيَّة .. اقتراح مهمٌّ:

مَن ينكر الحقائق التَّالية:

1 – مستوى المعلِّمين متفاوت مهنيًّا: بعضهم على أعلى مستوى في مادَّة تخصُّصه، وبعضهم متوسِّط المستوى، وبعضهم شديد الضَّعف، وربَّما يكون مستواه – وسامحوني على هذه المصارحة القاسية – أقلَّ من مستوى طلابه.

2 – يوجد تقصير بالغ في المتابعة من قِبل موجِّهي المادَّة، فضلا عن أنَّ الكثيرين منهم يفتقدون أبسط المقوِّمات الواجب توافرها فيمَن يعمل (موجِّهًا ) .

3 – نادرًا ما يلتزم معلِّم اللُّغة العربيَّة بخطَّة توزيع فروع المادَّة كما وردته من الوزارة؛ فيميِّز فروعًا على أخرى، أو يوزِّع الحصص أسبوعيًّا بشكلٍ عشوائيٍّ.

4 – أغلب معلِّمي اللُّغة العربيَّة يهملون الأعمال التَّحريريَّة (التَّعبير – الإملاء ) ، ويضعونها على الهامش، وينظرون لهذه الفروع نظرةً متدنِّيةً، ولا يقيمون لها وزنًا، ويعتبرونها تحصيل حاصل، أو مجرَّد سدِّ خانة، فضلا عن اعتبار هذه الحصص كاستراحات، يجلس فيها المعلِّم، ويكتب الطلاب كتابة روتينيَّةً، لا يقرأها المعلِّم غالبًا، بالإضافة إلى الجريمة الكبرى التي يرتكبها التَّوجيه في نهاية كلِّ فصلٍ دراسيٍّ، عندما يوحي الموجِّهون إلى المعلِّمين، بإلغاء حصص الأعمال التَّحريريَّة لصالح الفروع الأخرى؛ لكي يتمكَّن المعلِّم من إنهاء المنهج قبل موعد الامتحانات.

وتكون النَّتيجة تخرُّج أجيالٍ من الجامعة، لا يستطيع الواحد منهم أن يكتب موضوع تعبير، أو أن يعبِّر عن نفسه، أو أجيال جاهلة بأبسط قواعد الإملاء.

وليس من قَبيل الصُّدفة أن نجد أوائل الجمهوريَّة، وأوائل المحافظات، وأوائل المدارس، وأوائل الفصول، لا يكرهون شيئًا قدر كراهيَّتهم لسؤال التَّعبير.

إذا كنتَ عادلا في حكمك، ومتَّفقًا معي على الحقائق السَّابقة، فما رأيك في الاقتراح التَّالي:

ألا يستأثر معلِّم واحد بكلِّ الفروع داخل الفصل، بمعنى أن يدرِّس المعلِّم نصوصًا لفصل (1 / 1 ) ، وقراءة لفصل (2 / 3 ) ، ونحوًا لفصل (1 / 2 ) ، وأعمالا تحريريَّة لفصل (3 / 4 ) …. إلخ.

ورغم صعوبة التَّطبيق، إلا أنَّني أرى من مميِّزات هذا الاقتراح ما يلي:

1 – إدخال حيويَّة كبيرة جدًّا على المادَّة.

2 – سيستفيد الفصل الواحد من خبرة 5 من معلِّمي اللُّغة العربيَّة على الأقلِّ، بدلا من الاستفادة من خبرة معلِّم واحد.

3 – لن يتمَّ في هذه الحالة تهميش أيِّ فرعٍ لصالح فرعٍ آخر.

4 – لو افترضنا وجود معلِّم كفء ومتميِّز، وبدلا من أن يستفيد فصل واحد، أو فصلان، من خبرته، سيستفيد 5 فصول مثلا من هذه الخبرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top