أتعجَّب ممَّن يعربون (عشر ) في قول الله – تعالى – مثلا “فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا “، مضافًا إليه، بينما الصَّحيح أنَّها مبنيَّة على الفتح، لا محلَّ لها من الإعراب.
طبعًا أدرك أنَّ الكثيرين، وربَّما الأغلبيَّة يعربونها هكذا، وبشكلٍ صحيحٍ، ولكن لا يمكن أن نتجاهل أنَّ فريقًا من الزُّملاء والزَّميلات، وإن كان قليلا، يعربها مضافًا إليه.
فلماذا أرجِّح كونها لا محلَّ لها من الإعراب؟ وأستبعد إمكانيَّة إعرابها مضافًا إليه، رغم ما يبدو ظاهريًّا من إضافة (اثنا ) إليها؟
ومبدئيًّا، فإنَّ ما سأطرحه هنا هو وجهة نظري الشَّخصيَّة، ولا أعود إلى أيِّ مصدر، فإذا كنت من النَّوع الذي يميل إلى النَّقل، ويستنكر تمامًا إعمال العقل، فالرَّجا ألا تكمل قراءة منشوري.
بالنِّسبة لي فقد مللت الاتِّجاه إلى (تمييع النَّحو ) الذي يميل إلى أنَّ كلَّ مسألةٍ في النَّحو، ومهما بدت بدهيَّة، فيها رأيان متعارضان، وأنَّ كلَّ مباحٍ هناك مَن يحظره بدليل، وأنَّ كلَّ محظور هناك مَن يبيحه، بدليلٍ أيضًا، وأنَّ كلَّ حال يمكن تأويله على أنَّه تمييز، وكلُّ مرفوعٍ هناك فريقٌ ينصبه، وأنَّ البصريِّين يجيزون، والكوفيِّين يمنعون، وأنَّ الكوفيِّين ينصبون، والبصريِّين يرفعون، وغير ذلك من المتاهات العقليَّة التي تحوِّل النَّحو إلى عبثٍ كامل.
لكلِّ ذلك قرَّرت ألا أعود إلى أيِّ مصدر؛ لأحتفظ بالجزء اليسير المتبقِّي من عقلي، ولأنَّني أعرف مقدَّمًا، وبدون عناء البحث، أنَّني سأجد فريقًا يعربها مضافًا إليه، وسيسوق عشرات الأدلَّة، وفريقًا سيقول لا محلَّ لها من الإعراب، بمئات الأدلَّة؛ فقد قرَّرت أن أدير ظهري لهؤلاء وهؤلاء، وأن أحاول تحكيم عقلي في الموضوع.
علمًا بأنَّني أدرك، وأتفهَّم، أنَّ فريقًا عريضًا، سواءً فيما يخصُّ الدِّين، أو النَّحو، وربَّما أيّ مجال آخر، ترعبه مسألة إعمال العقل، وتزعجه أشدَّ الإزعاج؛ فهم معادون للعقل بالوراثة، يؤمنون بالنَّقل ولا شيء سواه، ويعتبرون اللجوء للعقل نوعًا من الوثنيَّة؛ إذ كيف تحكِّم عقلك في أمورٍ استقرَّ عليها الجمهور (من وجهة نظرهم طبعًا )، سواءً جمهور الفقهاء، أو جمهور النُّحاة؟
وسواءً في الفقه أو النَّحو، أو غير ذلك، ورغم وجود مئات الآراء المتعارضة في كلِّ مسألة من المسائل، فإنَّهم يعتبرون الرَّأي الذي يتبنُّونه هم ويؤمنون به هو (رأي الجمهور ) الذي يجب عليك أن تؤمن به بدورك، وإلا عدُّوك مارقًا.
الإسلام الذي يعرفونه، ويتوهَّمون أنَّه الإسلام الوحيد الذي على الجميع أن ينساق له، غير الإسلام الذي نعرفه، والنَّحو الموجود داخل عقولهم غير النَّحو الموجود داخل عقولنا، أو داخل عقلي أنا على الأقلِّ، وأعمل عقلي وإن كره الكارهون، ولا أعرف الكهنوت، بل ولا يعرف الإسلام الكهنوت، ولا أسمح لأحد بفرض الوصاية على عقلي، وسوقي إلى ما يريد سوق البقر.
وبالعودة إلى موضوع إعراب (عشر ) في العدد (اثنا عشر ) ….
فإنَّني أعتقد أنَّ مبرِّر عدِّها مبنيَّةً على الفتح لا محلَّ لها من الإعراب، رغم ما يبدو عليها ظاهريًّا من كونها مضافًا إليه، أنَّنا لو أعربناها مضافًا إليه، لوجب إعراب الـ (عشرة ) مضافًا إليه في جميع الأعداد المركَّبة (من 11 : 19 )، ولمَّا كان ذلك غير ممكن، وأقصد إعراب الـ (عشرة ) مضافًا إليه في بقيَّة الأعداد المركَّبة، فقد امتنع هنا إعرابها مضافًا إليه أيضًا، ووجب عدُّها لا محلَّ لها من الإعراب.
في قولك: نجح خمسة عشر طالبًا – نجح اثنا عشر طالبًا، نعرب (خمسةَ عشرَ ) مفعولا به مبنيًّا على فتح الجزأين، بينما في الجملة الثَّانية نعرب (اثنا ) فاعلا مرفوعًا، وعلامة رفعه الألف؛ لأنَّها ملحقة بالمثنَّى، و (عشر ) مبنيَّة على الفتح لا محلَّ لها من الإعراب.
ولو أعربتها في المثال الثَّاني مبنيَّةً في محلِّ جرٍّ مضافًا إليه، لوجب أن نعرب (خمسة عشر ): (خمسة ): فاعل، و (عشر ) مضاف إليه، فهل يصحُّ ذلك؟؟ بالطَّبع لا.
تساؤلان ملحَّان:
1 – لمَن سيقولون: ولماذا حُذِفت نون (اثنان )، إذا لم تكن (عشر ) مضافًا إليه؟ والمعروف أنَّ نون المثنَّى، وما يلحق به، لا تُحذَف إلا للإضافة، لهؤلاء أقول: في قولي: نجح خمسة عشر طالبًا، لماذا حُذِف التَّنوين من (خمسة )، أليس التَّنوين يُحذَف أيضًا للإضافة؟! فلماذا لم نعدّ (عشر ) مضافًا إليه؟!!
2 – لمَن سيقول: ولماذا (اثنا عشر ) وحدها تنفرد عن بقيَّة الأعداد المركَّبة بإعراب الجزء الأوَّل منها، وبناء الجزء الثَّاني، أقول: كلُّ الأعداد المركَّبة، باستثناء (اثنا عشر ) يستحيل نطقها إلا بفتح الجزأين، أيًّا كان إعرابها؛ ولذا فهي مبنيَّةٌ على فتح الجزأين، فإذا أردت أن تُجري على (اثنا عشر ) ما أجريناه على أخواتها من الأعداد المركَّبة، بالقول إنَّها مبنيَّة، فكيف ستبنيها؟ وعلى أيِّ شيءٍ ستبنيها؟ وهل ستقول أيضًا مبنيَّة على فتح الجزأين؟؟ هذا مستحيلٌ طبعًا؛ فالجزء الأوَّل من العدد، وأقصد به (اثنان )، لا يعرف الفتح أصلا، ولمَّا كان يتغيَّر، بالألف حينًا، وبالياء حينًا؛ فهو إذن معرب، وهو يُعرَب إعراب المثنَّى؛ ولذا لا يمكن أن يجري عليه ما جرى لبقيَّة الأعداد المركَّبة؛ فاستقلَّ بهذا الإعراب الخاصِّ.
هذا تعليلي، وهذه رؤيتي، ولك أن تقبلها أو ترفضها، وأرجوك، قبل أن تهاجمني؛ لأنَّ رأيي هنا، أو في أي مقال آخر، لا يعجبك، فتذكَّر التَّالي:
1 – هذا رأيي الشَّخصيُّ، ولا أدَّعي أنَّه رأي النُّحاة الذي لا يجوز الاختلاف معه، أو رأي الإسلام الذي لا يمكن معارضته.
2 – أؤكِّد دائمًا أنَّ رأيي يحتما الصَّواب والخطأ، وأنَّ من حقِّك أن تختلف معي، وأن تفيدني برأيك، بكل تحضُّرٍ ورقيٍّ، وبدون اتِّهاماتٍ أو تخوينٍ؛ ولذا فلا داعي للتَّطاول.
3 – نشرت رأيي على صفحتي الشَّخصيَّة، ولم أقتحم خصوصيَّتك، وأنشر على صفحتك؛ ولذلك فأنا حرٌّ في رأيي.
4 – لست متكبِّرًا، ولا متنطِّعًا، وأستفيد من أصغر تلاميذي، وأتعلَّم كلَّ يومٍ درسًا جديدًا، وما أعرفه في النَّحو، نقطةٌ في بحر، فما فاتني ملايين أضعاف ما حصَّلته، وأنا مجرَّد تلميذٍ، أجتهد، وأعمل عقلي، ولا ألتفت لانتقاد المنتقدين الذين ينقمون منِّي إعمالي لعقلي.
1 فكرة عن “إعراب (عشر ) في (اثنا عشر )”
good