أوهام نحويَّة!!
بقلم الأستاذ/ يسري سلال
برعاية موقع نحو دوت كوم – ومبادرة نَحْوَ نَحْوٍ جَدِيدٍ
تخيَّل معي أن يرد في امتحان الثَّانويَّة العامَّة هذا السُّؤال:
(ذهبوا ):
1 – كلمة
2 – فعل ماضٍ
3 – مبنيٌّ
اختر (الأدقَّ ).
احنا هنهزَّر؟!!
فإن كانت الإجابة (الأدقّ ) – في رأي واضع الامتحان – هي كونها (كلمة )، فهل ينفي ذلك عنها كونها فعلا ماضيًا، أو كونها مبنيَّةً؟!! وإن كانت الإجابة (الأدقّ ) في اعتقاده هي (فعل ماضٍ )، فهل ينفي ذلك عنها كونها كلمةٍ، أو كونها مبنيَّةً؟!! وإن زعم أنَّ الإجابة (الأدقّ ) أنَّها (مبنيَّة )، فهل يتعارض ذلك مع كونها (كلمة )، أو كونها فعلا ماضيًا؟!!
طبعًا هذا السُّؤال العبثيُّ لم يرد في أيِّ امتحان، ولن يرد غالبًا، ولكنَّ هذا شبيه بالأسئلة الاختياريَّة البلهاء التي يورد فيها واضع الامتحان عدَّة خيارات كلُّها صحيحة، ويطالب باختيار (الأدقِّ )، وهي مجرَّد حيلة رخيصة لسرقة درجة من الطُّلاب.
يعرف واضع الامتحان أنَّ اللُّغة العربيَّة في الحقيقة مادَّة سهلة، وليست صعبةً أو معقَّدةً كما هو شائع، ويخشى أن يحصل آلاف الطُّلاب على الدَّرجات النِّهائيَّة، ولا يجد وسيلةً للحدِّ من ذلك إلا استخدام هذا النَّوع من الأسئلة، بالإضافة إلى سؤال التَّعبير الذي يتمُّ فيه خصم درجاتٍ بدون أيِّ وجه حقٍّ من غالبيَّة الطُّلاب، رغم أنَّ مصحِّح السُّؤال لا يقرأ حرفًا ممَّا يكتبون.
كلُّ هذا مقدِّمة لفكرة المقال الرَّئيسيَّة ….
1 – في الامتحان المشهود .. امتحان الدَّور الأوَّل للثَّانويَّة العامَّة في مصر سنة 2013، وفي سؤال الإعراب، طُلِب من الممتحنين إعراب كلمة (السَّبيل ) في عبارة: (فذلكم السَّبيل الحقُّ )، والهدف طبعًا هو استخدام استراتيجيَّة (مخالفة المعهود )، و (هدم الثَّوابت ) المستقرَّة في أذهان التَّلاميذ، وهو هدف نبيل، خصوصًا وهي (ثوابت ) ما أنزل الله بها من سلطان، وطبعًا، وفي الوقت الذي أعربها أغلب الطُّلاب بدلا، أوردها نموذج الامتحان على أنَّها خبر.
ووجهة النَّظر أنَّ (الأصول تأتي قبل الفروع )؛ فلو أعربناها بدلا، وأعربنا (الحقّ ) نعتًا، فأين الخبر؟
ولكن، هل هذا هو الوجه الوحيد؟
في الواقع فإنَّنا وكما استغنينا عن التَّابع الأوَّل، الذي هو البدل، لصالح الخبر؛ فصار الإعراب: مبتدأ + خبر + نعت، وذلك بنفس طريقة تفكير الطَّبيب (اللي بيضحِّي بالجنين عشان الأمّ تعيش!! )، فإنَّه في إمكاننا أيضًا، وبنفس الطَّريقة، الاحتفاظ بالتَّابع الأوَّل (البدل )، و (التَّضحية ) بالتَّابع الثَّاني (النَّعت ) ليكون هو الخبر؛ فيكون الإعراب: مبتدأ + بدل + خبر.
2 – في امتحان الشّهادة الإعداديَّة بالكثير من المحافظات يرد سؤالٌ كالسُّؤال التَّالي: مصر (حضارتها ) عريقة – مصر (تاريخها ) عظيمة. أعرب ما بين القوسَين.
وتكون الإجابة بالطَّبع أنَّ الأولى مبتدأ ثانٍ، والثَّانية بدل اشتمال؛ حيث يمكن حذف الثَّانية دون أن يتأثَّر المعنى؛ فتكون هي البدل، وبما أنَّه يُفترَض أن تتمايز الكلمتان في الإعراب؛ حتَّى يكون للجمع بينهما في سؤالٍ واحدٍ معنى، يكون إعراب الأولى مبتدأ ثانيًا، لكن، هل إعراب الأولى مبتدأ ثانيًا هو الوجه الوحيد؟
لا؛ فيجوز إعرابها كذلك بدلا، ويمكن توضيح الوجهَين بتوظيف علامات التَّرقيم كالتَّالي:
مصرُ [حضارتها عريقة ]؛ فتكون هنا مبتدأ ثانيًا، و: مصر [حضارتها ] عريقة؛ فتكون هنا بدلا، أي أنَّ معرفة المتعلِّق بكلمة (حضارتها ) هو الذي سيحسم الإعراب: فإن تعلَّقت بـ (مصر ) أُعرِبت بدلا، وإن كانت متعلِّقةً بـ (عريقة )، فهي مبتدأ ثانٍ.
أمَّا في الجملة الثَّانية فلا يمكن إعرابها إلا بدلا.
3 – وكذا في امتحانات الصَّفِّ الثَّاني الإعداديِّ، ترد هذه الثُّنائيّة:
التِّلميذان كلاهما مجتهد – التِّلميذان كلاهما مجتهدان. أعرب (كلاهما ) في كلٍّ.
وبنفس الطَّريقة، فالمفترض أنَّ ما سيمكن الاستغناء عنها ستكون توكيدًا، وهذا يعني أنَّ الثَّانية فقط هي التَّوكيد، بينما الأولى هي المبتدأ، وهنا خطأ جوهريٌّ في التَّفكير:
فأمّا عن الجزء الأوَّل من العبارة فهو صحيح؛ فلن يُعرَب التَّوكيد توكيدًا، وكذا البدل، إلا إذا أمكَنَ حذفه والاستغناء عنه دون أن يتأثَّر المعنى، لكنَّ بقيَّة العبارة غير دقيق؛ فعدم إمكانيَّة الحذف لا تعني أنَّ التَّوكيد هنا هو الخيار الوحيد، وإنَّما في الحقيقة، حتَّى مع إمكانيَّة الحذف، فسيصحُّ الوجهان: التَّوكيد – والمبتدأ الثَّاني:
– التِّلميذان [كلاهما مجتهدان ]: مبتدأ ثانٍ.
– [التِّلميذان كلاهما ] مجتهدان: توكيد.
إذن: التِّلميذان كلاهما مجتهد: (كلاهما ): مبتدأ ثانٍ فقط.
بينما: التِّلميذان كلاهما مجتهدان: كلاهما: مبتدأ ثانٍ + توكيد.
4 – في درس أسلوب الاختصاص للصَّفِّ الثَّاني الثَّانوي، وتحديدًا عندما يكون الاسم المختصُّ مضافًا إلى المعرَّف، أو كلمة (أيّ ) أو (أيَّة ) تواجهنا إشكاليَّةٌ كبرى:
– أنتم طلاب العلم مقدَّرون (أنتم أيُها الطُّلاب مقدَّرون ). أعرب (طلاب )، أو (أيّ ).
ولمجرَّد أنَّ الاسم المختصَّ يُسبَق بضميرٍ للمتكلِّم أو المخاطب، يفترض الكتاب المدرسيُّ، وكلُّ الكتب الخارجيَّة، أنَّ الأسلوب هنا أسلوب اختصاص، وأنَّ كلمة (طلاب )، أو (أيّ ) هي الاسم المختصُّ، وإعراب كلٍّ منهما مفعول به لفعلٍ محذوفٍ تقديره (أخصُّ )، وهذا الوجه جائزٌ بالتَّأكيد، ولكن ما الذي يمنع أن يكون الأسلوب هنا أسلوب نداء، والـَّقدير: أنتم يا طلاب العلم مقدَّرون، أو: أنتم يا أيُّها الطُّلاب مقدَّرون؟! فيكون لإعراب (الطُّلاب )، أو (أيّ ) وجهان لا وجه واحد.
النَّحو (مطَّاطٌ ) للأسف، وحمَّال أوجه، ولا مفرَّ من هذه الحقيقة، وهذا يضع علينا كمعلِّمين للُّغة العربيَّة عمومًا، والنَّحو خصوصًا، أعباء إضافيَّة، ولكن هذا هو قدرنا، وتلك هي رسالتنا.
4 أفكار عن “أوهام نحويَّة!!”
جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه لخدمة لغة القرآن الكريم
أشكرك
كأن الحكومات العربية تنتقي أنصاف المواهب أو معدومي المواهب خصيصا ليزيدوا أزمة اللغة العربية عمقا
إبداااااااع