اقتراحات ثوريَّة للنُّهوض بمادَّة اللُّغة العربيَّة
يسري سلال – مبادرة نَحْوَ نَحْوٍ جَدِيدٍ
هذه دراسة مختصرة، ومطالب ملحَّة، أتمنَّى أن تجد آذانًا مصغيةً، وقلوبًا مفتوحة، نقدِّمها لكلِّ الغيورِين على مادَّة اللُّغة العربيَّة، من معلِّميها الكرام، والمهتمِّين بأمرها، والمهمومين لما آلت إليه.
أوَّلا: مشكلات تعاني منها مادَّة اللُّغة العربيَّة:
1 – تهميش الأعمال التَّحريريَّة، التي تشمل التَّعبير والإملاء، رغم ما لهما من أهمِّيَّةٍ طاغيةٍ، لحساب بقيَّة فروع المادَّة، ممَّا أنتج، وما زال ينتج، أجيالا لا تفقه شيئًا في قواعد الإملاء، ولا تكره شيئًا قدر كراهيتها لكتابة التَّعبير. وأهمُّ مظاهر هذا التَّهميش:
أ – عدم تدريس الحصَّتَين، والاستخفاف بهما، وعدُّهما حصَّتَين للرَّاحة من الشَّرح، والاكتفاء بكتابة بعض الكلمات على السُّبُّورة كنوعٍ من إثبات الشَّرح أمام إدارة المدرسة وزائريها.
ب – عدم إدراج التَّعبير كمنهج، يضمُّ أسسًا وقواعد واضحةً وممنهجةً لطريقة كتابة موضوع التَّعبير، وترك الأمر تقديريًّا لكلِّ معلِّم.
ج – التَّضحية بحصص الأعمال التَّحريريَّة عند اقتراب الامتحانات؛ لصالح بقيَّة الفروع، كنوعٍ من التَّحقير والاستهانة بهما، وذلك بإيعازٍ من موجِّهي المادَّة للأسف.
2 – سؤال التَّعبير في الامتحانات هو مجرَّد طعنة في ظهر الطَّالب ووليِّ الأمر، بل والمادَّة نفسها؛ إذ نادرًا ما تجد مصحِّحًا على مستوى الجمهوريَّة يقرأ حرفًا من موضوع التَّعبير، وهذه حقيقة لا ينكرها منصف، ويكتفي السَّيِّد المصحِّح بوضع درجات عشوائيَّة، معيارها الوحيد هو (شكل ) الموضوع، ومدى تنسيقه، ومدى جمال خطِّ كاتبه، وتتجلَّى المهزلة بوضع المصحِّح خطوطًا عشوائيَّة تحت بعض الكلمات للتَّدليل على أنَّه قرأ الموضوع، دون أن تجد كلمةً واحدةً مما (أشَّر ) تحتها غير صحيحة، وقد شهدتُ ذلك بنفسي آلاف المرَّات، سواءً عندما كنت أمارس عملي، قبل دخولي في إجازتي الطَّويلة، أو عندما تظلَّمت من درجة ابنتي في امتحان الشَّهادة الإعداديَّة من عامَين.
3 – ضعف بعض معلِّمي المادَّة في النَّحو، وهو ما يلقي بظلاله على طلاب هؤلاء المعلِّمين، والذين يعانون بدورهم من قصورٍ مزمنٍ في النَّحو؛ ينفِّرهم منه، ومن المادَّة كلِّها.
4 – يتمُّ إسناد مهمَّة وضع الامتحانات إلى معلِّمين غير مؤهَّلين بالمرَّة، وفي كلِّ عامٍ تواجهنا مهازل يشيب لهولها الولدان؛ ممَّا يمثِّل أبشع إهانةٍ للمادَّة ومعلِّميها، ويصيب الطُّلاب بضررٍ بالغٍ، ويزيدهم نفورًا من مادَّة اللُّغة العربيَّة.
ثانيًا: اقتراحاتٌ ثوريَّةٌ لعلاج هذه المشكلات:
1 – عدم توزيع خطَّة المادَّة كفصولٍ، كما يحدث منذ قديم الأزل، وإنَّما توزيعها كفروعٍ؛ بمعنى ألا يتولَّى معلِّم واحد شرح المادَّة بكافَّة فروعها لنفس الفصل، وإنَّما يدرِّس قراءةً لفصل، ونصوصًا أدبيَّة لفصلٍ، ونحوًا لفصل، وإملاء لفصل، وتعبيرًا لفصل، وهكذا، ورغم صعوبة تطبيق ذلك عمليًّا، إلا أنَّ له أعظم الأثر:
أ – ستصبح المادَّة حيويَّةً أكثر وأكثر وأكثر.
ب – لن يشعر الطُّلاب بالملل من المعلِّم المقرَّر عليهم يوميًّا.
ج – لن يُنَحِّي المعلِّم فرعًا لصالح فرعٍ آخر، وخاصَّةً الأعمال التَّحريريَّة، كما يحدث حاليًّا.
د – سيُتَاح لطلاب الفصل الاستفادة من خبرات جميع المعلِّمين.
هـ – لو افترضنا أنَّ المعلِّم ضعيفٌ في مادَّته، فليس من العدل أن يتمَّ تحطيم فصل واحد وبالكامل يشرح له هذا المعلِّم جميع الفروع (وهذا ليس حلا جذريًّا لضعف بعض المعلِّمين بالطَّبع، ولكنَّه نوع من باب أقلِّ الأضرار، وسنورد اقتراحاتٍ بعد قليلٍ لمثل هؤلاء ).
2 – إدراج منهج علميٍّ كامل للتَّعبير، وخطَّة شاملة يسير عليها المعلِّم.
3 – لا بدَّ، وفورًا، من تغيير نظام تقدير درجة التَّعبير في الامتحانات؛ بحيث:
أ – عدم وضع الدَّرجة كدرجة واحدة كما هو متَّبع حاليًّا، وإنَّما تجزيء الدَّرجة إلى (جزء خاصٌّ بالأخطاء الإملائيَّة – جزء خاصٌّ بالأخطاء النَّحويَّة – جزء خاصٌّ بالأخطاء الأسلوبيَّة ) وإلزام المصحِّح بوضع درجة في كلِّ خانة.
ب – إلزام الطَّالب بكتابة عددٍ معيَّنٍ من الأسطر؛ فأن تكتب 10 سطور ستُقرَأ كلمةً كلمةً، خيرٌ من أن تكتب ثلاث صفحاتٍ لن يُقرَأ منها حرفًا.
ج – إتاحة الفرصة للتَّظلُّم من درجة التَّعبير، عمليًّا وموضوعيًّا؛ بحيث يكون من حقِّ الطَّالب ووليِّ أمره أن يتظلَّم من الجزء المتعلِّق بدرجة الأخطاء الإملائيَّة في موضوع التَّعبير مثلا، أو بالأخطاء النَّحويَّة، وإلزام المصحِّح، عند التَّظلُّم، بإعطاء الدَّليل على أحقِّيَّته في خصم ما خصمه من هذه الدَّرجة، وذلك حتَّى يعرف مصحِّح التَّعبير أنَّه سيُساءَل؛ فيرتدع، ويتَّقي الله، عند التَّصحيح، ويكفّ عن وضع الدَّرجة عشوائيًّا؛ لاطمئنانه إلى أنَّه محصَّن من المسئوليَّة، بهذه الحجَّة السَّخيفة الحمقاء، التي ما أنزَلَ الله بها من سلطان، والتي تُستبَاح الدَّرجات تحت مظلَّتها (تقدير المصحِّح )!!
4 – ربط التَّرقية بامتحانٍ جادٍّ، وليس على شاكلة ما تمَّ من مهازل أيَّام امتحان الكادر، وأقترح أن يُمتحَن كلُّ معلِّمٍ مشرفٍ على التَّرقية شفويًّا، أمام لجنةٍ من محافظةٍ أخرى، وذلك في النَّحو والإملاء، وألا يُسمَح له بالتَّرقِّي نهائيًّا قبل اجتياز هذا الامتحان، ويُفضَّل، من باب التَّيسير على المعلِّمين، إعداد كتابٍ يضمُّ ما سيُمتحَن فيه المعلِّمون الرَّاغبون في التَّرقِّي، في هذين الفرعَين (النَّحو – والإملاء )، على أن يخضع المعلِّم لهذا الامتحان مرَّة واحدةً، وليس في كلِّ مرَّة تتمُّ فيها ترقيته.
5 – يعتقد بعض المعلِّمين أنَّ تحصيل العلم ينتهي بنهاية الدِّراسة الجامعيَّة؛ فيحرم نفسه، ويحرم طلابه بالتَّالي من رافدٍ مهمٍّ، ولذا أقترح عقد محاضرةٍ واحدةٍ أسبوعيًّا على الأقلِّ، يحاضر فيها معلِّم (مؤهَّل ) ومشهود له، من مدرسةٍ أخرى، ويتغيَّر في كلِّ مرَّةٍ، وتخفيفًا للمشقَّة، وحتَّى لا يتعطَّل العمل بالمدارس، ينتقل المحاضر إلى المدرسة المستهدفة، وليس العكس، تبعًا لجدولٍ تُوزَّع فيها أسماء المحاضرين، وعناوين المحاضرات، بدقَّةٍ؛ لضمان على عدم التِّكرار.
6 – تفاديًا للفضائح التي تضجُّ بها امتحانات اللُّغة العربيَّة، وبخاصَّةٍ النَّحو، أقترح تشكيل لجنةٍ عليا، على أعلى مستوى مهنيًّا وأكاديميًّا، تتولَّى إنشاء ما يشبه (بنك الأسئلة ) التي تضمُّ آلاف الأسئلة المتنوِّعة، والتي تُرَاجَع عشرات المرَّات؛ للتَّأكُّد التَّام من التزامها بالمعايير المعمول بها عالميًّا في صياغة الأسئلة، والتَّثبُّت من خلوِّها من أيِّ نوعٍ من أنواع الأخطاء النَّحويَّة والإملائيَّة، وكونها جميعًا تحتمل وجهًا واحدًا قاطعًا، ثمَّ تتولَّى شركة برمجيَّات عالميَّة، برمجة نظامٍ يسمح باختيار أيِّ امتحانٍ عشوائيًّا، على جميع المستويات (محافظة – مدرسة – إدارة – فصل )؛ بحيث يتمُّ القضاء على الفرديَّة والعشوائيَّة تمامًا، وتصبح عمليَّة اختيار الامتحانات على جميع المستويات إلكترونيَّة بشكلٍ كاملٍ، لا يتدخَّل فيها العامل البشريُّ نهائيًّا، وهذا كفيل بالقضاء نهائيًّا على تلك الظَّاهرة الشَّنيعة (تسريب الامتحان )، والتي توشك أن تخرِّب أجيالا كاملةً، والتي فشلت الدَّولة فشلا ذريعًا في مواجهتها، وطباعة الامتحان قبل موعد إجرائه بـ 24 ساعة، أو 48 ساعة على الأكثر، ويُستحسَن استحداث نظامٍ إلكترونيٍّ في الطِّباعة كذلك، تتمُّ فيه الطِّباعة، والتَّغليف حسب عدد كلِّ لجنة، إلكترونيًّا، ودون تدخُّل العنصر البشريِّ أيضًا.
وقد يقول قائل: إنَّك أغفلت أهمَّ نقطةٍ، وهي الوضع المادِّيُّ للمعلِّم، وأنا أتَّفق معكم تمامًا، لا أمل غالبًا في الرُّقيِّ بالعمليَّة التَّعليميَّة، قبل الاهتمام بركنها الرَّكين (المعلِّم )، وتحسين وضعه المادِّيِّ، خصوصًا مع الوضع المادِّيِّ المهين الذي يُعامَل على أساسه المعلِّم، ولكن، فليضع الجميع في أذهانهم أنَّنا أصحاب رسالة، وأنَّنا ملزمون بأداء رسالتنا السَّامية، مهما امتهنتنا الحكومة، ونظرت إلى دورنا نظرةً متدنيَّةً.
وأنا أقول ذلك، وأعلم بما يعانيه المعلِّمون من عدم التَّقدير، ولكنَّني، على سبيل المثال، ورغم ما أعانيه مادِّيًّا وصحِّيًّا، ماضٍ في أداء رسالتي إلى آخر لحظةٍ من حياتي، لا تصدُّني مشقَّة، ولا تُعوِّقني معاناة، ولا يُعجِزني المرض، ولا يعنيني أنَّني أعيش في مجتمعٍ لا يريد أن يفهم أنَّه لا خروج من مأزقنا الحضاريِّ، إلا بالاهتمام بالتَّعليم، وأنَّه لا يمكن الاهتمام بالتَّعليم قبل تحسين الوضع المادِّي المذري للمعلِّمين.
أخيرًا، نصيحة لكلِّ مَن سينقل هذه الدِّراسة إلى صفحته، وينسبها لنفسه، وخصوصًا إذا كان صديقًا في سجلِّ الأصدقاء:
أوَّلا: هذه الدِّراسة محصَّنة ضدّ السَّرقة؛ لأنَّني أنشرها، وفي نفس الوقت، على حسابي الأصليِّ بموقع فيس بوك هنا (باسم نحو دوت كوم )، وعلى حسابي الاحتياطيِّ (باسم يسري سلال )، وعلى موقع مبادرة نَحْوَ نَحْوٍ جَدِيدٍ، وعلى صفحتها على فيس بوك، وعلى مدوَّنتي الشَّخصيَّة بموقع نحو دوت كوم.
ثانيًا: مهما حاولت مسخ الحقيقة، عن طريق إعادة صياغة بعض فقراتها؛ لتبدو على مقاسك، فلن تستطيع، ومهما حاولت، أن تغيِّر حقيقة أنَّها مكتوبة بأسلوبي، وطريقتي، شكلا ومضمونًا.
ثالثًا: إذا ارتضيت لنفسك أن تكون لصًّا، فليس أقلّ من أن تكون (حرامي شاطر )، ولذا، وحتَّى لا تجعل من نفسك أضحوكة، وقبل أن تقرِّر أن تسرق منشوري، فلا تنسَ أنَّك موجود في سجلِّ أصدقائي، وأنَّ منشورك، المسروق منِّي، سيظهر عندي بمجرَّد نشرك له، ولذلك، خلِّيك نبيه لمرَّة واحدة في حياتك، واحذفني أوَّلا قبل أن تسرق منشوري، ثمَّ احذف جميع الأصدقاء المشتركين بيننا أيضًا (والذين أتوقَّع أنَّهم غالبًا بالمئات)؛ لأنَّهم سيرون منشورك المسروق، وسيخبرونني أيضًا!!
1 فكرة عن “اقتراحات ثوريَّة للنُّهوض بمادَّة اللُّغة العربيَّة”
ما شاء الله
تبارك الله
اسمعي يا حكومة!