مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

لِلنَّاشِئَةِ (بَدْءًا مِنْ سِنِّ 10 سَنَوَاتٍ )

هل يكون العَلَم نكرةً؟!
يسري سلال – مبادرة نَحْوَ نَحْوٍ جَدِيدٍ
من المعروف أنَّ العَلَم معرفة، أو هو أحد أنواع المعارف، ولكنَّ السُّؤال: هل يمكن أن يكون العَلَم نكرةً؟
أوَّلا: وقبل أن تقرأ .. ملاحظة لا بدَّ منها:
ما ستقرأه هنا هو تناوُل شخصيٌّ بحت، لم أعد فيه لأيِّ مصدر؛ فلا أعرف آراء البصريِّين ولا آراء الكوفيِّين ولا آراء غيرهما، ليس تهوينًا من شأن آرائهم والعياذُ بالله، وإنَّما هذه وجهة نظر شخصيَّة، يحقُّ لك أن تقبلها، ويحقُّ لك أن تنتقدها، ويحقُّ لك أن ترفضها بالكُلِّيَّة.
فقط، إذا كنت ترفض من الأساس، كعادة الكثيرين، مبدأ أن يتناول أحدٌ إحدى النَّظريَّات النَّحويَّة بنظرةٍ نقديَّةٍ، وتعتبر أنَّ هذه القواعد حَرَم لا يُمَسُّ، وأنَّه لا يحقُّ لأحدٍ أن يناقشها من الأساس، ففضلا، هوِّن على نفسك، ولا تُحَمِّلنا من أمرنا عُسرًا، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ولا تكمل قراءة المقال.
وأرجوك، لا تنسَ – للمرَّة المليون – أنَّ هذا رأيي .. أنشره على صفحتي، وليس على صفحتك.
ثانيًا: إضاءات مهمَّة:
الإضاءة الأولى: هذا المقال يُعَدُّ الجزء الثَّاني من مقالٍ سابقٍ لي بعنوان (معضلات نحويَّة مؤرِّقة في جملة: جاءت بنتٌ ضاحكة )، فيمكنكم – إن شئتم – أن تعودوا إلى الجزء الأوَّل من هذا المقال، هنا، في هذه الصَّفحة، أو على صفحة مبادرة نَحْوَ نَحْوٍ جَدِيدٍ على فيس بوك، أو على موقع المبادرة على شبكة الانترنت، أو على مدوَّنتي الشَّخصيَّة بموقع نحو دوت كوم.
والإضاءة الثَّانية: هو الخلاف الواقع، بين مناهج التَّعليم العامِّ، ومناهج الأزهر، فيما يخصُّ تحديد نوع المنادى العَلَم المثنَّى والجمع، كـ (محمَّدان ) أو (محمَّدون )؛ ففي حين يتَّفق المنهجان على كون المنادى العَلَم المثنَّى أو الجمع – كالعَلَم المفرد، غير المثنَّى أو المجموع – مبنيًّا على ما يُرفَع به، فإنَّهما يختلفان في تحديد نوع المنادى في هذه الحالة؛ حيث تعدُّه مناهج التَّعليم العامِّ عَلَمًا مفردًا، بينما تعدُّه مناهج الأزهر نكرةً مقصودةً.
والإضاءة الثَّالثة: ما نشره أستاذنا النَّابه عماد غزير مؤخَّرًا عن خلافه مع عبَّاس حسن، صاحب النَّحو الوافي، حول تسمية تنوين العَلَم (أحمد )، وكون هذا التَّنوين تنوين تنكيرٍ، أم تنوين تمكين، وهو الخلاف الذي أوحى لي بفكرة كتابة هذا الجزء الجديد من المقال.
فأمَّا ما يخصُّ الإضاءة الأولى، والمتعلِّقة بمقالي السَّابق، فقد ذهبتُ فيه إلى جواز القول: جاءت هند ضاحكةً، وجاءت هند ضاحكةً: الأولى بنصب (ضاحكةً )، على أنَّها حال، والثَّانية برفعها، على أنَّها نعت.
وقد لاقى هذا التَّأويل وقتها اعتراض جميع مَن علَّق على المنشور (والذين أكَّدوا جميعًا أنَّه لا يجوز النَّعت إلا بالتَّعريف: جاءت هند الضَّاحكة )، في حين أنَّني برَّرتُ ذلك، بأنَّني أقصد في المثال الأوَّل شخصًا محدَّدًا، بينما – في الحالة الثَّانية – أفترض وجود أكثر من (هند )، وأنَّني أقصد واحدةً غير محدَّدةٍ من هؤلاء (الهندات )!!
وأمَّا فيما يخصُّ الإضاءة الثَّانية، فلا أخفيكم أنَّني كنتُ – فيما سبق – متحمِّسًا أكثر، لتبنِّي وجهة نظر مناهج التَّعليم العامِّ، وكنت أميل إلى الاعتقاد بأنَّ العَلَم، وإن ثُنِّي أو جُمِع، يبقى عَلَمًا، لا نكرةً.
وقد أعملتُ عقلي، دون العودة إلى أيِّ مصادر، وتَفَكَّرتُ في سبب عَدِّ مناهج التَّعليم في الأزهر للمنادى هنا نكرةً، واهتديتُ إلى أنَّ السَّبب في ذلك ربَّما يعود إلى أنَّني لو قلتُ: يا محمَّدان، فإنَّني لم أحدِدًا هنا (محمَّدًا ) بعينه، وعلى ذلك فَقَدَت الكلمة كونها عَلَمًا؛ حيث العَلَم، بوصفه أحد أنواع المعارف، وعلى خلاف النَّكرة، يُقصَد به شخصًا أو شيئًا معيَّنًا ومحدَّدًا.
وكنتُ أعارض ذلك بصراحةٍ، اعتقادًا منِّي أنَّني حتَّى لو لم أحدِّد أيَّ (محمَّدٍ ) أعني، فإنَّ الكلمة في رأيي ستبقى عَلَمًا؛ حيث لو قلتُ مواجهًا لتلاميذ فصلي مثلا: يا محمَّدان؛ بافتراض وجود شخصَين، اسم كلٍّ منهما محمَّد، فرغم أنَّ ندائي لم يحدِّد أيَّ الـ (محمَّدَين ) أعني، فإنَّ الكلمة ستظلُّ تتضمَّن نوعًا من التَّعريف؛ حيث لن يجيب ندائي أيُّ شخصٍ آخر في الفصل يكون اسمه (أحمد ) مثلا، أو (خالد )، أو أيّ أسماءٍ أخرى، وبالتَّالي فسيظلُّ (محمَّدان ) يحمل خصوصيَّةً وتحديدًا، بأنَّ ندائي لا يشمل أيَّ شخصٍ آخر لا يحمل اسم محمَّد، وبذلك يظلُّ (محمَّدان ) عَلَمًا.
وهنا يأتي دور الإضاءة الثَّالثة، والتي كانت سببًا في أنَّني عدلتُ عن نظرتي تلك عن العَلَم؛ فصرتُ – بعد قراءة مقال عماد غزير – مقتنعًا بعكس ما كنتُ مقتنعًا به؛ حيث أرى الآن أنَّ العَلَم إذا ثُنِّي أو جُمِع، فَقَدَ كونه عَلَمًا، وصار نكرةً. ليس هذا فقط، وإنَّما قد يكون العلَم غير المثنَّى ولا الجمع نكرةً أيضًا!!
لا أعرف رأي عماد غزير، ولا آراءكم، فيما سأقول، وأتمنَّى أن تفيدوني برأيكم:
في الحقيقة، فإنَّ المثال الصَّادم، الذي ذكرته في مقالي الأوَّل، لم يكن كاشفًا بصورةٍ كافيةٍ، وأقصد به: جاءت فاطمة ضاحكةٌ (بالرَّفع )، وأُقِرُّ بأنَّ وجهة نظري تلك لم تكن مكتملةً وقتها، وأنَّ مقال عماد غزير، هو الذي أدَّى إلى (تبلوُر ) وجهة النَّظر تلك الآن، واكتمالها؛ ولذلك، فسوف أجري تعديلا بسيطًا (ولكنَّه كاشف )، وهو إعادة صياغتها بما يضمن نصب (فاطمة )؛ فأقول: قابلتُ فاطمةً ضاحكةً!! نعم، بتنوين (فاطمة ) و (ضاحكة ) معًا!!
ولعلَّكم تتصايحون الآن قائلِين: وكيف تُنوِّن (فاطمة ) الممنوعة من الصَّرف؟؟!!
والإجابة أنَّني نوَّنتها؛ لأنَّني هنا لا أقصد (فاطمة ) محدَّدة بعينها، ولكنَّني أفترض وجود أكثر من (فاطمة )، وأنَّ إحداهنَّ (بدون تخصيصٍ )، والمحدّدَة فقط بكونها الضَّاحكة من بينهنَّ؛ قد قابلتني؛ ففقدت (فاطمة ) هنا عَلَميَّتها، كونها أُطلِقت على شخصٍ غير محدَّدٍ، ثمَّ فقدت بالتَّالي كونها ممنوعةً من الصَّرف؛ فجاز تنوينها!!
انظروا معي، طبقًا لنظريَّتي، إلى الأمثلة التَّالية:
– جاءت فاطمةُ (بضمَّةٍ واحدةٍ ) ضاحكةً (بتنوين الفتح ).
هنا أتحدَّث عن (فاطمة ) معيَّنة ومحدَّدة [معرَّفة – وممنوعة من الصَّرف ]، وحالها أنَّها ضاحكة.
– جاءت فاطمةٌ (بتنوينٍ الضَّمِّ ) ضاحكةٌ (بتنوين الضَّمِّ ).
هنا أتحدَّث عن (فاطمة ) غير محدِّدةٍ من بين عدَّة (فاطمات ) [نكرة – وغير ممنوعةٍ من الصَّرف ]، وصفة (فاطمة ) المقصودة من بين أولئك (الفاطمات ) أنَّها الوحيدة الضَّاحكة من بينهنَّ.
– قابلتُ فاطمة (بدون تشكيلٍ ) ضاحكةً (بتنوين الفتح ).
هنا، في رأيي، وما دمتُ لا أعرف تشكيل (فاطمة )، ولا أعرف على وجه اليقين، هل يقصد المتحدِّث (فاطمةً ) بعينها، أم (فاطمة ) غير محدَّدةٍ من بين عدَّة (فاطمات )، فإنَّه يصحُّ أن تُعَدَّ (ضاحكةً ) حالا، ويصحُّ أن تُعَدَّ نعتًا:
أ – فلو كانت مفتوحةً بلا تنوينٍ؛ فهي – إذن – ممنوعة من الصَّرف، وهي – بالتَّالي – عَلَم، ولم تفقد عَلَميَّتها، وتكون (ضاحكة ) في هذه الحالة حالا.
ب – بينما إذا كانت منصوبةً منوَّنةً؛ فإنَّ المتحدِّث – إذن – لا يقصد (فاطمةً ) بعينها، وهي – بالتَّالي – نكرة، وفقدت عَلَميَّتها، ومن ثَمَّ فقدت مبرِّر منعها من الصَّرف؛ فنُوِّنت، وتكون (ضاحكة ) نعتًا.
ملاحظة أخيرة:
يستنكر عماد غزير على عبَّاس حسن قوله إنَّ تنكير (أحمد ) في قولنا: رُبَّ أحمدٍ قابلتُ، هو تنوين تنكيرٍ، ويرى عماد غزير أنَّه تنوين تمكينٍ، وأنَّه يوجد فرقٌ كبير – حسبما يرى غزير – بين هذا وذاك، وأنَّ عبَّاس حسن وقع بهذه التَّسمية في خلطٍ كبيرٍ، وأنَّه لا أحد من النُّحاة قال ذلك.
وفي الحقيقة، فإنَّني هنا لستُ بصدد تفنيد هذه الآراء، أو نفي أحدها، ولستُ – أيضًا – معنيًّا في مقالي هذا بفكِّ الاشتباك بين نوعَي التَّنوين المذكورَين، أو ترجيح أحدهما على الآخر، وليس أقدر من عماد غزير على التَّصدِّي لهذا الأمر، ولكنَّني هنا، أتفهَّم تمامًا عبارة وتوصيف وتسمية عبَّاس حسن.
إنَّني أعتقد أنَّ تنوين (أحمد ) في المثال المذكور، هو بوجهٍ ما، تنوين تنكيرٍ فعلا، ليس لأنَّ التَّنوين في الأصل للنَّكرة لا المعرفة، والأهمُّ أنَّ هذا ليس نفيًا لتسمية عماد غزير له بـ (تنوين تمكينٍ )، وإنَّما لأنَّه لم يُتَح لـ (أحمد ) التَّنوين هنا، رغم منعه من الصَّرف، إلا لزوال هذا المنع، والذي لم يَزُلْ – في رأيي – إلا لأنَّه فَقَدَ العلميَّة، وما فقد العَلَميَّة إلا لأنَّه فَقَدَ التَّعريف؛ فصار – تبعًا لذلك – نكرةً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top