مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

سلسلة (طلاسمُ نحويَّةٌ لا حلَّ لها ) – الحلقة الأولى: عسى

سلسلة (طلاسمُ نحويَّةٌ لا حلَّ لها )
الحلقة الأولى: عسى
يسري سلال – مبادرة نَحْوَ نَحْوٍ جَدِيدٍ
 
تُعَدُّ (عسى ) من أكبر المعضلات في نحونا العربيِّ على الإطلاق، وما يعرفه معظمنا أنَّها فعلٌ ماضٍ جامدٌ، من أخوات (كاد )، يدلُّ على الرَّجاء، وأنَّها تعمل عمل (كان )؛ فترفع الاسم، وتنصب الخبر، بالشَّرط الذي تقيَدت به كلُّ أفعال هذا الباب، وهو أن يكون خبرها جملةً فعليَّةً، فعلها فعل مضارع، كما نعلم جميعًا أنَّ جملة الخبر بعدها (يكثر ) اقترانها بـ (أن ) …. فهل هذه كلُّ الحقيقة؟!
 
بالطَّبع لا.
 
أوَّلا: كونها فعلا:
ما لا يعلمه الكثيرون أنَّ النُّحاة اختلفوا بشأنها أيَّما اختلاف: فعدَّها بعضهم فعلا، وعدَّها آخرون حرفًا، بينما ذهب فريقٌ ثالث إلى ورودها فعلا أحيانًا، وورودها حرفًا أحيانًا!!
 
فأمَّا مَن عدُّوها فعلا، فقد كانت حجَّتهم اتِّصال ضمائر الرَّفع بها (ما عدا ياء المخاطبة التي لا تتَّصل إلا بالفعل المضارع وفعل الأمر )، ومن المعروف أنَّ ضمائر الرَّفع لا يمكن أن تتَّصل إلا بالأفعال، وهي عندهم فعلٌ ماضٍ جامد.
 
ومع ذلك فهي تخلو تمامًا من الحدث الذي يميِّز الفعل؛ فالفعل هو ما دلَّ على حدثٍ + زمان، فإذا قلتَ: عسى المجتهد أن ينجح، فما الحدث الذي دلَّ عليه الفعل هنا؟!! وهل يصحُّ أن تقدِّر بدلا من (عسى ) فعلا من لفظه؟!!
 
لقد قالوا إنَّها (تدلُّ ) على الرَّجاء في قُرب حدوث الفعل، ولكنَّني لا أراها تفيد معنى (الفعل ) نهائيًّا، لا في إفادة الحدث، ولا في إفادة الزَّمان.
 
ورغم غرابة (اخلولق ) و (حرى )، ونُدرة استخدامهما في اللُّغة العربيَّة، فإنَّ لهما – على عكس عسى – معناهما الذي يقطع بكونهما فعلَين (رغم أنَّني واثقٌ أنَّ الكثيرِين لا يعرفون لهما معنى!! )، حيث إنَّ (اخلولق ) معناه: صار خليقًا (أي جديرًا )، و (حرى ) معناه: صار حريًّا (أي جديرًا ).
 
فإذا قلتَ: اخلولق الطَّالب أن يتفوَّق، فإنَّ معنى ذلك أنَّه صار خليقًا وجديرًا بأن يتفوَّق.
 
ولكنَّ النُّحاة – في اعتقادي – اُضطُرُّوا اضطرارًا إلى اعتبارها فعلا، فقط لاتِّصالها بضمائر الرَّفع كما أسلفنا، ولكنَّ هذا – في رأيي – لا يبرِّر أيضًا اعتبارها فعلا، رغم افتقادها لكلِّ ما يمكن أن يميِّز الفعل، فيما عدا القابليَّة للاتِّصال بضمائر الرَّفع.
 
ثانيًا: كونها ناقصةً:
بعد أن اُضطُرَّ النُّحاة لعدِّها فعلا، فكَّروا في عملها ووظيفتها، فوجدوها ترفع اسمًا غالبًا، وغالبًا أيضًا وجدوا بعدها جملةً فعليَّةً، فعلها فعل مضارع (وأقول غالبًا لأنَّه توجد شواهد للأسف ورد بعد عسى فيها اسمان مرفوعان، وشواهد أخرى ورد خبرها مفردًا لا جملةً فعليَّةً )؛ فألحقوها بأخوات (كاد )، وتركونا – للأسف -نتخبَّط في عدَّة إشكاليَّاتٍ مرتبكةٍ:
 
(1 ) الشَّواهد التي تخالف ما ذهبوا إليه:
أ – ومن ذلك ما رواه (ثعلب ) من أنَّ العرب يقولون أيضًا: عسى زيدٌ قائمٌ.
ملاحظة: خروجًا من هذا المأزق، اُضطُرَّ (ابن هشام ) للقول إنَّ اسمها هنا ضمير شأنٍ محذوف، والجملة الاسميَّة بعدها هي خبرها، وهو تخريجٌ مضحكٌ، وتكلُّف ليس بعده تكلُّف!!
 
ب – ومن الشَّواهد المربكة أيضًا في هذا الصَّدد ورود خبرها مفردًا، كقول الشَّاعر: …. إنِّي عسيتُ صائمًا.
ملاحظة: خروجًا من هذا المأزق، اُضطُرَّ (سيبويه ) إلى اعتبارها هنا حرفًا يرفع الاسم، وينصب الخبر، فأيُّ عجبٍ أكثر من جواز عمل (عسى ) عمل (كان )، وجواز عملها عمل (إنَّ )، في نفس الوقت!!!!
 
(2 ) المفارقة العجيبة بين قولك: عسى محمَّدٌ أن ينجح، وعسى أن ينجح محمَّد:
هنا ذهب النُّحاة إلى أنَّ الأولى ناقصة (ترفع الاسم، وتنصب الخبر )، بينما الثَّانية تامَّة، ترفع فاعلا (الذي هو المصدر المؤوَّل بعدها )، وفي هذا كثيرٌ من الغموض والتَّناقض والتَّخبُّط:
 
أ – إذا كانت (عسى ) الثَّانية تامَّةً؛ وأنَّ (أن ) والمضارع بعدها مصدرٌ مؤوَّلٌ في محلِّ رفع فاعل؛ فلماذا لا نعتبر أنَّ (أن ) والمضارع في المثال الأوَّل يشكِّلان – أيضًا – مصدرًا مؤوَّلا في محلِّ نصب خبر (عسى )؟! لماذا اعتبرنا أنَّ (أن ) والمضارع الأولى جملة فعليَّةً، بينما الثَّانية مصدر مؤوَّل (في مقام المفرد )؟!
 
أنا أفهم طبعًا أنَّهم اُضطُرُّوا إلى اعتبار الأولى جملةً فعليَّةً؛ لما قرَّروه من أنَّها لكي تعمل عمل (كاد )، فلا بدَّ أن يكون خبرها جملةً فعليَّةً، لكنَّ هذا لا يكفي لنقتنع [عقليًّا ] بأنَّ (أن ) والمضارع الأولى جملة فعليَّة، بينما (أن ) والمضارع في الجملة الثَّانية مصدر مؤوَّل (هكذا بالعافية!! )، خصوصًا وأنَّه لا فرق نهائيًّا في المعنى بين (عسى محمَّد أن ينجح ) و (محمَّد عسى أن ينجح )، فإذا سلَّمنا بأنَّ الأولى ناقصة، وخبرها جملة فعليَّة، فيجب أن نسلِّم بأنَّ الثَّانية ناقصة، وخبرها جملة فعليَّة (وليس مصدرًا مؤوَّلا )، وإذا سلَّمنا بأنَّ (أن ) والمضارع في الثَّانية مصدرٌ مؤوَّل، فقد وجب علينا التَّسليم أيضًا بأنَّه في الجملة الأولى كذلك.
 
ب – في الجملة الثَّانية، وعندما يلي عسى (أن ) والمضارع مباشرةً؛ فيعدُّونها تامَّةً، و (المصدر المؤوَّل ) بعدها فاعلا، ما تقدير الجملة بالضَّبط؟ التَّقدير: عسى نجاح محمَّد، فما معنى: عسى نجاح محمَّد؟!!
 
أنا أفهم أن نقول: عسى نجاح محمَّد أن يتحقَّق، أمَّا: عسى نجاح محمَّدٍ، هكذا فقط، فهي سخافةٌ وتكلُّف.
 
ثالثًا: الإشكاليَّة العظمى في (عسى ):
أكبر مشكلةٍ، والتي تمثِّل العجب العُجاب في (عسى )، هي قابليَّتها للاتِّصال بضمائر الرَّفع، وضمائر النَّصب، في آنٍ واحدٍ!!
 
طبعًا الفعل التَّام قد يتَّصل بضمائر الرَّفع (ضربا – ضربوا – تضربين – ضربن – ضربْنا – ضربتُ )، وقد يتَّصل بضمائر النَّصب (ضربه – ضربك – تضربني – تضربنا )، فلا عجب في ذلك، ولكنَّ العجب، كلَّ العجب، أن يتَّصل (النَّاقص ) بكلا النَّوعَين معًا:
 
– فالأفعال النَّاقصة، والتي تشمل (كان ) وأخواتها، و (كاد ) وأخواتها، تتَّصل بضمائر الرَّفع فقط، ولا تتَّصل بضمائر النَّصب (أصبحا – أصبحوا – تصبحين – أصبحن – أصبحْنا – أصبحتُ ).
 
– والحروف النَّاسخة تتَّصل بضمائر النَّصب، ولا يمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال أن تتَّصل بضمائر الرَّفع (إنَّه – إنَّك – إنَّني – إنَّنا ).
 
أمَّا ما يحيِّر العقل، من ضمن أشياء كثيرة متعلِّقة بـ (عسى ) تحيِّر العقل أيضًا، فهو اتِّصال ضمائر الرَّفع، وضمائر النَّصب، بها:
– عسيتُ – عسينا.
– عساكم – عساهم.
 
ملاحظة:
كالعادة، وللخروج من هذا المأزق العقلانيِّ، اُضطُرَّ النُّحاة إلى تخريجٍ (غير عقلانيٍّ ) بالمرَّة، خلاصته أنَّها لو اتَّصلت بضمير نصبٍ نعدُّها حينئذٍ حرفًا، ليس هذا فقط، وإنَّما نعدُّها بمعنى (لعلَّ ) التي تنصب الاسم، وترفع الخبر (رغم أنَّها يُفترَض أن تعمل عمل كان، التي ترفع الاسم، وتنصب الخبر!! ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top