هل إعراب (جائزة ) في: المجتهد ممنوحٌ جائزة، مفعول به، أم مفعول به ثانٍ؟

يسري سلال 24 مارس 2020 | 5:04 ص تيسير النَّحو 2317 مشاهدة

منذ يومَين قرأتُ سؤالا على إحدى الصَّفحات المتخصِّصة في النَّحو حول إعراب (جائزة ) في قولنا: المجتهد ممنوحٌ جائزة. وأورد مسئول الصَّفحة الخيارات التَّالية:
نائب فاعل – مفعول به – مفعول به ثانٍ.
السُّؤال جيِّد، وهي إحدى مواضع الإلغاز المهمَّة في درس إعمال اسم المفعول؛ خصوصًا وأنَّ أغلب الطُّلَّاب يتوهَّمون أنَّ اسم المفعول العامل يليه دائمًا نائب فاعلٍ.

ويأتي هذا السُّؤال ليقضي على هذا الوهم.

ولكنَّ المشكلة جاءت في الإجابة التي أوردها أخونا؛ حيث ذهب أخونا إلى أنَّ الإجابة الصَّحيحة مفعول به ثانٍ، وأنَّ الخيار الثَّاني (مفعول به ) غير صحيحٍ، قائلا – ما معناه – بأنَّ تحوُّل المفعول الأوَّل إلى نائب فاعلٍ لا يجرِّد المفعول الثَّاني من تسميته (مفعولا ثانيًا )، ثمَّ أيَّد رأيه بالقول إنَّ المفعول الأوَّل لم يُحذَف، وإنَّما هو فقط تحوَّل إلى نائب فاعلٍ مرفوع، ومن ثَمَّ يحتفظ المفعول الثَّاني برتبته واسمه أيضًا.

في الحقيقة، كلُّ ما ورد، أوردتُه بأسلوبي، وبعربيَّةٍ فصحى، مع أنَّ أخانا لا يكتب إلا بالعامِّيَّة، ولكنَّني أعتقد أنَّني نقلتُ لكم وجهة نظره حرفيًّا.

وأنا لا أختلف معه فقط فيما انتهى إليه، وإنَّما أختلف معه من حيث المبدأ في الخيارات التي وضعها.

والمفروض ابتداءً ألا يجمع أصلا بين الخيارَين (مفعول به )، و (مفعول به ثانٍ )؛ إذ لا اختلاف يُذكَر بينهما:
1 – فمع أنَّ المهمُّ أنّ َالكلمة منصوبة، إلا أنَّنا هنا لم نكتفِ فقط بأن نقرِّر أنَّها ها منصوبة، وإنَّما حدَّدنا أكثر بأنَّها (مفعول به )، فما الجدوى بعد ذلك من القول (مفعول به )، أو (مفعول به ثانٍ )؟!!

2 – حتَّى لو افترضنا جدلا أنَّ الإجابة الصَّحيحة (مفعول به ثانٍ )، رغم أنَّني أختلف معه تمامًا في ذلك، فإنَّ التَّأشير على خيار (مفعول به ) لا يمكن أن يُعَدَّ إجابةً غير صحيحةٍ بأيِّ حالٍ من الأحوال، وكونه أوَّل أو ثانيًا لا يغيِّر من الحقيقة الأهمِّ، وهي أنَّه (مفعول به ).

3 – يذكِّرني السُّؤال بتلك الخيارات، بالأسئلة التي يزعمون أنَّها (حديثة ) في نظامهم (الحديث )؛ حيث يقولون مثلا:
يعيش الناس حيث يكون الماء. الفعل (يكون ):
أ – تامٌّ.
ب – ناقصٌ.
ج – أجوف.
د – أ، و ج.
وهو سؤالٌ سخيف؛ فالعبقريُّ طبعًا ينتظر من الطُّلَّاب أن يؤشِّروا على (هـ )، وهو يعدُّ أيَّ إجابةٍ بخلافها غير صحيح؛ فكيف يُعقَل أن يجيب الطَّالب (تامٌّ )، فتحتسبها إجابةً غير صحيحةٍ، وتحرمه من الدَّرجة (رغم أنَّه تامٌّ بالفعل )!! وكذلك إذا أجاب بـ (أجوف ) يحرمونه من الدَرجة، رغم أنَّه أجوف بالطَّبع.

إنَّ الطَّريقة العلميَّة في وضع سؤال الاختيار من متعدِّدٍ، أن تكون هناك إجابة واحدة صحيحة، وبقيَّة الإجابات غير صحيحةٍ بشكلٍ قاطعٍ.

ولا أرى مثل هذه الأسئلة البلهاء (وأقصد السُّؤال الوارد في 3 .. وليس سؤال الأخ ) إلا محاولة بائسة جديدة من جهابذة النِظام الحديث للسَّطو على درجات الطُّلَّاب، تمامًا كما يفعلون في أسئلة اللُّغويَّات التي يضعون فيها 4 خيارات كلُّها صحيحة، ويدَّعون أنَّ إحداها (أدقّ ) كذبًا وزورًا وبهتانًا.

وبالعودة إلى السُّؤال ..
فليسمح لي أخونا الفاضل بأن أختلف معه؛ فـ (جائزة ) مفعول به وفقط، ولا يجب أن نقول: مفعول به ثانٍ كما يقول؛ فالمفعول الأوَّل لم يُحذَف طبعًا كما ذهب، وإنَّما – وبنصِّ كلامه – فقد اسمه وإعرابه، ولذا، وفي ظلِّ عدم وجود مفعولٍ أوَّلٍ، لا يصحُّ تسمية المفعول المتبقِّي (مفعولا ثانيًا ).

ولعلَّ سيادته يقصد تسمية الفعل نفسه، والذي رغم وجود مفعولٍ واحدٍ له في الجملة، إلا أنَّ الطَّالب يجب أن يفهم أنَّه متعدٍّ لمفعولَين، ولكنَّ مفعوله الأوَّل تحوَّل إلى نائب فاعلٍ، واحتفظ المفعول الثَّاني بكونه (مفعولا به ) منصوبًا.

أعرف والله أنَّه جدل بيزنطيٌّ عقيمٌ، وغير ذي فائدةٍ، وأنَّ المهمَّ أنَّ الكلمة منصوبة، وإعرابها مفعول به، وأنَّ الخلاف حول كونها (أوّل ) أو (ثانيًا ) لا جدوى منه، ولكن ساءني أن أرى هذا السُّؤال في الكتب الخارجيَّة أيضًا؛ فأردتُ التَّوضيح.