مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

ثلاثة أخطاء فادحة في سؤال النَّحو بنموذج الوزارة للصَّفِّ الأوَّل الثَّانويِّ 2019

لا أعرف وزارةً في أهمِّيَّة وزارة التَّربية والتَّعليم.
ولا أعرف وزارةً يُسنَد فيها العمل إلى غير أهله، أكثر من وزارة التَّربية والتَّعليم!!
 
في مصر – والحمد لله – عشرات الآلاف من المعلِّمِين الأكفاء، ولكنَّهم يعيشون في الظِّلِّ، ويموتون في الظِّلِّ!! لأنَّ معيار الأفضليَّة في هذه الوزارة أبعد ما يكون عن الكفاءة.
 
لا أعرف كيف يُختَار واضعو الامتحانات، والمسئولون عن تطوير المناهج، ومَن يضعون هذه النَّماذج الإرشاديَّة، ولكنَّني واثقٌ تمام الثِّقة أنَّهم يُختارون لأيِّ سببٍ، إلا الكفاءة!!
 
في النَّموذج (الاسترشاديِّ ) الذي وضعته الوزارة على موقعها، وأخصُّ سؤال النَّحو الموجود في الصُّورة المرفقة، 3 أخطاء قاتلة:
 
(أوَّلا ) في السُّؤال الأوَّل (المرقّم بـ 27 )، ورد سؤالٌ كان محلَّ خلافٍ وجدالٍ بين جموع المعلِّمِين (فما أدراك بالطُّلَّاب المساكين!! )، حيث انقسمت الآراء بين:
أ – أغلبيَّة رأت أنَّ الفعل تامٌّ (وأتوقَّع أنَّ هذا ما قصده واضع النَّموذج ).
ب – أقلِّيَّة رأت أنَّه ناقص.
 
ومبدئيًّا، فقد كان على الوزارة، وواضع النَّموذج، أن يرفق بالنَّموذج إجاباته؛ منعًا للَّغط.
ولكنَّني لا أستبعد أنَّ سيادته لم يضع الإجابات قصدًا؛ ليتهرَّب من المسئوليَّة عن سؤالٍ ربَّما لا يدري هو نفسه على وجه اليقين ما إذا كان فعله تامًّا، أم ناقصًا!!
 
وهكذا لجأ إلى حيلة إلقاء الكرة في ملعب المعلِّمِين والطُّلَّاب؛ بحيث إذا تبنَّت الأغلبيَّة خيار (التَّام )، قال إنَّ هذه هي الإجابة الصَّحيحة، وإذا انحازت الأغلبيَّة إلى خيار (النَّاقص )، أكَّد أنَّ هذا ما قصده!!
 
وهذا يذكِّرني بحيلةٍ رخيصةٍ تلجأ إليها الكتب الخارجيَّة في نماذج البلاغة التي تضمِّنها صفحاتها، والتي تضع فيها أحيانًا أبياتًا جاهليَّةً مغرقةً في الغموض والغرابة، ويتركون ألفاظها الفظَّة الثَّقيلة بلا (ترجمة )؛ لأنَّهم – في الغالب – لا يفهمون هذه الأبيات، ولا عن أيِّ شيءٍ تتحدَّث أصلا!! ثمَّ يتظاهرون بأنَّهم تركوا توضيح معاني هذه الألفاظ الغريبة عمدًا؛ لكي يبحث عنها الطَّالب بنفسه!!
 
المهمُّ ..
هذا الفعل ناقصٌ وليس تامًّا، رغم عدم وجود خبره، الذي هو محذوفٌ من باب الإيجاز فقط، ولا ينطبق عليه قاعدة تمام الفعل إذا لم يرد له إلا المرفوع، وأصل الجملة: أصبحت مصر متقدِّمةً، وما تزال متقدِّمةً (وليته صاغ الجملة كالتَّالي؛ إذًا لكانت أوقَعَ: كانت مصر متقدِّمة وما تزال ).
 
وللمعترضِين على هذا الطَّرح، والمنتصرِين لخيار (تامّ )، إليكم الجمل التَّالية للتَّوضيح:
1 – كانت مصر ولا تزال متقدِّمة.
2 – كانت مصر متقدِّمة ولا تزال.
3 – كانت مصر متقدِّمة وما زالت.
 
قبل أن نتحدَّث – تفصيليًّا – عن تلك الجمل، إليكم صور (ما زال )، وموقف كلٍّ منها من حيث التَّمام والنُّقصان:
– لا يزال (لا تزال ): لا يرد إلا ناقصًا.
– ما يزال (ما تزال ): لا يرد إلا ناقصًا.
– ما زال (ما زالت ): غير صحيحٍ ما أوردته كتب النَّحو من أنَّه – كليس وما فتئ – لا يرد إلا ناقصًا، ولكنَّه يكون ناقصًا إذا كان مضارعه (لا يزال / ما يزال / لم يزَل – بفتح الزَّاي )، ويكون تامًّا إذا كان مضارعه (لا يزول / ما يزول / لم يزُل – بضمِّ الزَّاي ).
 
وقلنا سابقًا:
– ما زال الماء في الإناء: ناقص؛ لأنَّ المضارع: لم يزَل (بفتح الزَّاي ) الماء في الإناء.
– ما زال الماء من الإناء: تامٌّ؛ لأنَّ المضارع: لم يزُل (بضمِّ الزَّاي ) الماء من الإناء (وما هنا نافية أصلا، وهو دليلٌ آخر على أنَّ الفعل تامٌّ، ومعنى الجملة: لم ينتهِ الماء من الإناء ).
 
ولنعد إلى الأمثلة الثَّلاثة:
1 – كانت مصر ولا تزال متقدِّمة.
أ – الفعل (كانت ) يحتمل التَّمام (على أنَّ معناه وُجِدت )، ويحتمل النُّقصان (على أنَّ هنا إيجازًا، وأنَّ تقدير الجملة: كانت مصر متقدِّمةً، ولا تزال متقدِّمةً ).
ب – أمَّا الفعل (ما تزال ) فهو ناقصٌ بلا شكٍّ، ومن الواضح أنَّ (متقدّمة ) خبره.
 
2 – كانت مصر متقدِّمة ولا تزال.
أ – (كانت ) ناقصٌ بلا جدالٍ.
ب – و (لا تزال ) ناقصٌ بلا شكٍّ، وكلُّ ما في الموضوع هو (حذف ) الخبر من باب الإيجاز، خصوصًا مع استخدام (تزال ) بالألف، والذي قطع أيَّ شكٍّ في نقصان الفعل.
 
3 – كانت مصر متقدِّمة وما زالت.
أ – (كانت ) ناقصةٌ.
ب – بينما (ما زالت ) تحتمل النُّقصان، وتحتمل التَّمام:
– ناقصة: إذا افترضنا أنَّ مضارعها (ما تزال، ولم تزَل – بفتح الزَّاي )، وفي هذه الحالة سيكون خبرها محذوفًا للإيجاز أيضًا.
– وتامَّةً: لو عددنا معناها (لم تنتهِ )، أي أنَّ مضارعه (لم تزُل – بضمِّ الزَّاي ).
 
وبالتَّالي ….
فالفعل في الجملة الواردة ناقصٌ.
 
(ثانيًا ) في السُّؤال المرقَّم بـ (32 ) خطأ جوهريٌّ مهمٌّ:
والخطأ هنا ليس نحويُّا، وإنَّما الخطأ الذي أقصده أنَّ هذا السُّؤال يعتمد على درس (الاستثناء )، والذي سيدرسه هؤلاء الطُّلَّاب في الفصل الدِّراسيِّ الثَّاني، وعليه، ليختار الإجابة الصَّحيحة (التي هي أنَّ الكلمة مفتوحة )، أن يكون ملمًّا بقاعدة الاستثناء، والتي تحتِّم عليه هنا:
1 – حذف أداتَي النَّفي والاستثناء؛ بما أنَّ الاستثناء في الجملة ناقصٌ منفيٌّ.
2 – ثمَّ عليه أن يعيد ترتيب الجملة؛ ليدرك أنَّ (كريم ) فاعل مؤخَّر، بينما لصيغة المبالغة هنا مفعولَين: ماله – الفقراء.
طبعًا قد يكون الطَّالب متفوِّقًا ليدرك كلَّ ذلك، وقد يجيب الإجابة الصَّحيحة، دون أن يدرس (الاستثناء ).
بل ربَّما يجيب طالبٌ ضعيفٌ عشوائيًّا، ويختار الإجابة الصَّحيحة (بالبركة!! ).
ولكنَّ كلَّ ذلك لا يمنع قاعدةً بدهيَّةً (يعلمها أصغر واضعِي الامتحانات في العالم )، وهي أنَّه لا يجوز أن تكون إجابة السُّؤال مرتبطةً – ولو من بعيدٍ – بدرسٍ لم يدرسه بعدُ.
 
(ثالثًا ) في السُّؤال المرقَّم بـ (33 ):
بالله عليكم، ما معنى: أمعطى درجة. (ولاحظ النُّقطة!! )؟؟!
طبعًا هو تفضَّل مشكورًا بوضع فتحةٍ على الطَّاء؛ لينبِّه الطُّلَّاب أنَّ المشتقَّ هنا نوعه اسم مفعولٍ، ولكن:
1 – هل هذه جملة؟!! ما معنى: أمعطَى درجة؟!! ومَن هو هذا الذي تسأل عن حقيقة إعطائه درجة؟!!
أتفهَّم طبعًا أنَّه لم يضع نائب فاعلٍ ظاهرًا بعد (مُعطَى ) من باب الإلغاز (أمعطَى الطَّالب درجة )؛ حتَّى لا ينتبه الطُّلَّاب إلى أنَّ (درجة ) مفعول به، لا نائب فاعلٍ كما يتوقَّع، ولكن ما الذي كان سيضيره لو وضع مبتدأ؛ ليجعل من هذه العبارة المبتورة جملةً لها معنى؛ فيقول مثلا: الطَّالب معطَى درجة؟!! مع أنَّه لو صاغها بهذا الشَّكل لما فقدت الجملة الإلغاز المطلوب؛ حيث أغلب الطُّلَّاب يعتقدون أنَّ اسم المفعول العامل لا بدَّ أن يأتي بعده نائب فاعلٍ.
 
2 – إذا كان شخص مثله (يُعَدُّ خبيرًا لدرجة أنَّ وزارة التَّربية والتَّعليم اختارته حصرًا ليضع نموذجًا استرشاديًّا لملايين الطُّلَّاب )، إذا كان شخصٌ في هذه المكانة يضع نقطةً في نهاية تلك الجملة (إذا عددناها جملةً، وهي ليست كذلك )، والتي تبدأ بهمزة الاستفهام، فهل يُعقَل أنَّ هناك مَن لا يزال يثق بهذه الوزارة، وهذا الوزير، وهؤلاء (الخبراء )؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top