مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

كان الامتحان سهلا. جملة اسميَّة أم فعليَّة؟

لا أستبعد أن تهلَّ علينا الألفيَّة الثَّالثة، فنجد العلماء قد اكتشفوا علاجًا للسَّرطان، والعالم مشغولا بإقامة مستعمراتٍ على الكواكب الأخرى، بينما نكون ما زلنا مشغولِين وقتها بالسُّؤال اللَّوذعيِّ: اسميَّة أم فعليَّة؟!! وبدل بعض من كلٍّ أم بدل اشتمال؟!!

لا أعترض على الحرص على المعرفة والفهم، وليست المشكلة أنَّ فلانًا يصرُّ على أنَّها فعليَّة، بينما يقسم فلان على أنَّها اسميَّة، وإنَّما أكثر ما يثير الأسى أنَّ كلًّا منهما يتعصَّب لرأيه، رغم أنَّه يعلم يقينًا أنَّ هذه المسألة موضع خلاف، وأنَّ لكلٍّ من الرَّأيَين وجاهته. فما جدوى التَّعصُّب؟!

مَن يقول اسميَّة يتجاهل منطقيَّة السُّؤال الحائر (كيف تكون الجملة اسميَّةً وهي مبدوءةٌ بفعلٍ؟!! ).

ومَن يقول فعليَّةً يعلم جيِّدً منطقيَّة السُّؤال (أليست الجملة أصلها اسميّة من مبتدأ وخبر؟! أليست الجملة الفعليَّة تتكوَّن من فعلٍ وفاعلٍ؟! ).

وللأسف، يهدر الملايين طاقاتهم في السُّؤال عن نوع الخبر في قولنا: الولد كان حاضرًا، فإذا قلتَ جملةً اسميَّةً، قالوا بخبثٍ: وكيف تكون الجملة اسميَّةً وهي مبدوءةٌ بفعلٍ؟ وإذا قلتَ فعليَّة، قالوا: وأين الجملة الفعليَّة بركنَيها المعروفَين؟

ولا يكتفون بهذا الصِّراع العبثيِّ، وإنَّما، وهو الأسوأ، يقحمون طلَّابهم المساكين فيه.

لماذا لا نكتفي بالقول إنَّ نوع الخبر هنا جملة؟! أليس هذا هو المهمّ؟

لماذا لا نسمِّيها جملةً منسوخةً، ونتفادى هذا الخلاف الهزليَّ؟

أمَّا عن الثُّنائيَّة العقيمة (بعض من كلٍّ – اشتمال ) فحدِّث ولا حرج!!

لم رَ في حياتي أشدَّ سخفًا من السُّؤال المريض: بعض من كلٍّ، أم اشتمال؟

وماذا سيستفيد النَّحو، أو المعلِّم، أو الطَّالب، من كون البدل هنا يجب أن يُسَمَّى (بعضًا من الكلِّ )، أو (بدل اشتمال )؟

إذا قلتَ: تعطَّلت السَّفينة محرِّكها، ثمَّ صمَّمتَ بتعصُّبٍ على أنَّه بدل بعضٍ من الكلِّ؛ باعتبار المحرِّك جزءًا من السَّفينة، بينما وجدتَ الطَّالب يقول: بدل اشتمال؛ باعتبار أنَّ المحرِّك ممَّا تشتمل عليه السَّفينة، فهل النَّحو (هيتعوَّر ) هنا، واللُّغة العربيَّة ستتأذَّى، والعرب سيصيرون في ذيل الأمم؟!!

أقسم بالله، إنَّ العرب لم يصيروا في ذيل الأمم إلا بسبب مثل هذا العته، ومناقشة تلك السَّفاسف!!

لقد آن الأوان أن يُتَّخذ قرارٌ بعدِّ البدل نوعَين لا غير: بدلا مطابقًا – وبدل اشتمال.

ولمَن سيسأل: ولماذا لا نقسِّمه إلى بدلٍ مطابقٍ، وبدل بعضٍ من الكلِّ، أقول إنَّ كلَّ بدل بعضٍ من الكلِّ يمكن تسميته اشتمالا (على وجهٍ من الوجوه )، وليس العكس صحيحًا؛ فلو قلتَ: أعجبتني البنت حقيبتها، فلا يجوز عدُّ البدل هنا بدل بعضٍ من الكلِّ بالطَّبع.

إذا اختلفنا كلانا على نوع الخبر في الأولى: فقلتَ حضرتك جملة اسميَّة، بينما قلتُ أنا: جملة فعليَّة.

وإذا اختلفنا على إعراب كلمةٍ: فقلتُ أنا بدل بعض من كلٍّ منصوب، بينما قلتَ أنتَ بدل اشتمال منصوب.

فالمهمُّ أنَّنا متَّفقان – في الأولى – على أنَّ الخبر ليس مفردًا، وليس شبه جملة.

والمهمُّ أنَّنا متَّفقان – في الثَّانية – على البدليَّة، وعلى النَّصب أيضًا.

وأيُّ خلافاتٍ – خلاف ذلك – من قَبيل السَّفه ليس إلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top