مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

لِلنَّاشِئَةِ (بَدْءًا مِنْ سِنِّ 10 سَنَوَاتٍ )

الحلقة الأولى
في درس (جزم المضارع في جواب الطلب ) وردت قاعدة في الكتاب المدرسيِّ، وفي الكتب الخارجيَّة مفادها أنَّه (يُشترَط لجزم المضارع في جواب الطلب [النهي ] أن يدلَّ الجواب على شيء محمود ) ، ويسوقون على ذلك دليلا جملة: لا تقترب من الماء تغرق؛ فبما أنَّ الغرق أمرٌ غير محمود؛ فلذا الفعل مرفوع وليس مجزومًا.
والحقيقة أنَّ الفعل مرفوع فعلا، ولكن ليس لذلك علاقة بكون الجواب يدلُّ على شيءٍ محمودٍ أو غير محمود، ولكنَّ المضارع في الجملة مرفوع لسببٍ آخر، والدليل أنَّنا لو قلنا: لا تبتعد عن الماء تغرق؛ فإنَّ (تغرق ) فعل مضارع مجزوم، رغم أنَّه يدلُّ أيضًا على شيء غير محمود.
ولكنَّ الحقيقة التي تغيب عن الجميع للأسف أن المضارع في الجملة الأولى مرفوع لا مجزوم، ليس لأنَّه يدلُّ على شيءٍ غير محمودٍ، وإنَّما هو مرفوع بكلِّ بساطة لأنَّ الجواب لا يترتَّب على الطلب.
ما معنى ذلك؟
في الجملة الأولى: الطلب هو: عدم الاقتراب من الماء، والجواب هو: الغرق، والغرق لا يمكن أن يترتَّب على عدم الاقتراب من الماء؛ فأنت إذا كنت (لن تقترب ) من الماء، فكيف ستغرق إذن؟!!
بعكس الجملة الثانية:
فالطلب فيها هو: عدم الابتعاد عن الماء، والجواب هو: الغرق، والغرق يترتَّب على البقاء في الماء وعدم الابتعاد عنه؛ لذا فهو مجزوم.
وللإيضاح أكثر:
– لا تهمل في عملك تندمُ.
الندم لا يمكن أن يترتَّب على (عدم ) الإهمال؛ لذا فالمضارع مرفوع.
– لا تخلص في عملك تندمْ.
(الندم ) مترتِّب على (عدم ) الإخلاص في العمل؛ لذا فهو مجزوم في جواب الطلب.
إذن؛ فليس الأمر متعلِّقًا بدلالة الجواب بعد النهي على أمرٍ محمودٍ أو مذموم، وإنَّما بترتُّب الجواب على الطلب.
ملاحظة: كما تفضَّل الإخوة بالتوضيح:
فإنَّه – لفكِّ الاشتباك – بين جزم المضارع في جواب الطلب ورفعه، يُفّضَّل تقدير أداة شرطٍ في بداية الجملة؛ فإن صحَّ المعنى؛ فالفعل مجزوم، وإن لم يصحّ المعنى؛ فالفعل مرفوع.
1 – فبالنسبة للجملة الأولى: لا تقترب من الماء تغرق.
بتقدير أداة شرطٍ في بداية الجملة: إن لا تقترب من الماء تغرق، والمعنى هنا لا يستقيم؛ ممَّا يعني أنَّ الفعل – رغم وقوعه في جواب الطلب – مرفوع.
– بينما: لا تبتعد عن الماء تغرق، وبتقدير أداة شرط: إن لا تبتعد عن الماء تغرق، فالمعنى مستقيم؛ والفعل – إذن – مجزوم في جواب الطلب.
2 – وبالنسبة للجملة الثانية: لا تهمل في عملك تندم.
– لا يستقيم المعنى إذا قلنا: إن لا تهمل في عملك تندم؛ فالمضارع (تندم ) مرفوع.
– بينما: لا تخلص في عملك تندم، يستقيم المعنى إذا قلنا: إن لا تخلص في عملك تندم؛ فالفعل – إذن – مجزوم.

الحلقة الثَّانية
في هذه الحلقة نستعرض خطأ (تاريخيًّا ) شائعًا، هُيِّئ لي – من فرط تكراره – أنَّه متجذِّرٌ منذ خلق الله الأرض ومَن عليها!!
ما رأيت أحدًا قطّ يكتب هذا الحديث إلا بالطريقة التالية: “…. إذا لم (تستحِ ) فاصنع ما شئت ” .
وقد ورد ما بين القوسين بهذه الصورة في الكتب المدرسيَّة والكتب الخارجيَّة على حدٍّ سواء.
طبعًا الكلُّ يكتب الفعل بهذه الطريقة؛ باعتبار أنَّ الفعل مجزوم بحذف حرف العلَّة.
ورغم أنَّ هذا الفعل مجزوم بالفعل، ومعتلّ الآخر بالفعل، بل ومجزوم بحذف حرف العلَّة أيضًا، إلا أنَّ الصواب: (لم تستحي ) !!
ولفكِّ الاشتباك، أو التناقض، بين كون الفعل مجزومًا بحذف حرف العلَّة، ومكتوبًا – في نفس الوقت – بياء في آخره، يُرجَى المتابعة معي:
ملاحظة: سأعرض الأمر بطريقةٍ رياضيَّةٍ بحتةٍِ؛ حتَّى نصل إلى نتيجةٍ دقيقةٍ.
– إذا افترضنا – جدلا – صحَّة الفعل (تستحِ ) ؛ باعتباره مجزومًا بحذف حرف العلَّة.
– إذن فأصله – بعد ردِّ حرف العلَّة – : (تستحي ) .
– وبما أنَّ أصله (تستحي ) .
– إذن فماضيه: استحى.
– وبما أنَّ ماضيه (استحى ) على وزن (افتعل ) .
– إذن فهو فعل ثلاثيٌّ مزيدٌ بحرفين (ألف الوصل والتاء ) .
– ولمعرفة أصل الفعل – وكأنَّنا نريد الكشف في المعجم عن معناه – نحذف حروف الزيادة؛ فيكون أصله: سحى!!
فهل أصل (يستحي ) هو (سحى ) فعلا؟ وما معنى (سحى ) ؟!!
الفعل (يستحي ) مشتقٌّ من (الحياء ) ، وليس من (سحى ) .
– وبما أنَّ النتيجة التي وصلنا إليها في النهاية غير صحيحة.
– إذن فالمقدِّمات – التي أوصلتنا إلى هذه النتيجة – غير صحيحة.
– وبالعودة إلى البداية للتصحيح نقول:
الفعل المضارع أصلا لم يكن (يستحي ) ، وإنَّما: يستحيي (بيائين ) ، والفعل الماضي الصحيح هو (استحيا ) ، وليس (استحى ) .
والإمام الشافعي قال:
يَعيشُ المرءُ ما (استحيا ) بخيْرٍ ويبقى العودُ ما بقيَ اللَّحاءُ
لم يقل: ما (استحى ) بخير، وإنَّما قال: ما (استحيا ) بخير.
– وبما أنَّ الماضي (استحيا ) ، والمضارع (يستحيي ) بيائين.
– إذن يُجزَم الفعل بحذف حرف العلَّة عن طريق حذف إحدى اليائين، مع بقاء الأخرى: لم تستحي.
اكتبوا الياء يرحمكم الله، ولا تخشوا من وجود حرف العلَّة في آخر الفعل – رغم كونه مجزومًا – ؛ فإنَّه – رغم وجود الياء – مجزومٌ أيضًا بحذف حرف العلَّة.

الحلقة الثَّالثة
ظللت سنوات طويلة أنظر لقاعدة (جزم المضارع في جوب الطلب جائز ) نظرة غير صحيحة
ولا أرى عيبا في الاعتراف بذلك؛ فلا أرى نفسي – في مجال النحو – إلا تلميذا في الخامسة والأربعين. كل يوم أتعلم جديدا.
والخطأ – ولعل الكثيرين منكم يقعون في نفس الخطأ – أنني كنت أعتقد أن كون الجزم في جواب الطلب جائزا، يعني أنه يمكن جزمه أو رفعه مثلا، وهذا ما اكتشفت أنه غير صحيح.
كنت أعتقد أنه يمكنني القول: ذاكروا تنجحوا، ويمكنني القول: ذاكروا تنجون؛ باعتبار أن جزم المضارع في جواب الطلب جائز وليس واجبا.
والحقيقة أن (جواز جزم الفعل المضارع في جوب الطلب ) يختلف عن (جواز توكيد الفعل المضارع بالنون في حالة دلالته على الطلب ) مثلا.
ففيما يخص جواز التوكيد بالنون، فإنه يمكنني القول: لتذاكر دروسك، ويمكنني القول: لتذاكرن دروسك؛ حيث يختلف معنى الجواز هنا عن معناه في حالة (جزم المضارع في جواب الطلب )
أما فيما يخص جواز جزم الفعل المضارع في جواب الطلب، فإن الأمر مختلف تماما.
فكون جزم الفعل المضارع الواقع في جواب الطلب جائزا لا يعني أنك حر في جزمه، أو رفعه مثلا
وإنما يعني أن المضارع الواقع في جواب لطلب ليس مجزوما بشكل مطلق، وإنما يكون مجزوما بشرط، وهو ما ذكرناه آنفا.
وللتذكير: فإنه لا يمكن جزم المضارع في جواب الطلب إلا إذا ترتب الجواب على الطلب.
أو بطريقة أخرى: لا يمكن جزم المضارع في جواب الطلب إلا إذا أمكن إحلال أداة شرط محل الطلب:
– لا تذاكروا تندموا – لا تهملوا تندمون.
فرغم وقوع الفعل المضارع (تندمون ) في جواب الطلب في الجملتين، إلا أنه مجزوم في الجملة الأولى، ومرفوع في الجملة الثانية؛ لأنه يصح أن أقول: إن لا تذاكروا تندموا، في الجملة الأولى، بينما لا يصح أن أقول: إن لا تهملوا تندموا، في الجملة الثانية (ولا تنسوا أن جزم الأول ورفع الثاني لا علاقة له مطلقا بدلالة الجواب على أمر محمود أو مذموم، وأنما بترتب الجواب على الطلب، كما أسلفنا في الحلقة الثانية ) .
إذن، وتلخيصا لما سبق:
جزم الفعل المضارع في جواب الطلب جائز، أي لا يكون إلا بشرط، فإن تحقق الشرط؛ فالجزم – عندئذ – واجب.

الحلقة الرَّابعة
لا أعرف قاعدةً في النحو سيِّئة السمعة كقاعدة (المعرَّف بأل بعد اسم الإشارة يُعرَب بدلا ) !!
نقولها لطلابنا هكذا .. مجتزأةً مبتورةً مشوَّهةً .. ودون أن تهتزَّ فينا شعرة.
ورغم أنَّ هذا الأمر قد قُتِل بحثًا .. إلا أنَّنا سنحاول معكم إعادة صياغة هذه القاعدة لأقرب شكلٍ ممكنٍ من الصواب.
والحقيقة – التي من المؤكَّد أنَّ الكثيرين منا يعلمونها – أنَّ هذه القاعدة ليست مطلقةً بأيِّ حالٍ من الأحول، وأنَّ الكثير من المواضع يُعرَب فيها المعرَّف بـ (أل ) بعد اسم الإشارة بدلا، ولكنَّ هذا لا يمنع من أنَّ الكثير من المواضع أيضًا لا يُعرَب فيها المعرَّف بـ (أل ) بعد اسم الإشارة بدلا.
فما الحل في هذا المأزق؟ وكيف نعيد صياغة القاعدة لتكون متوازنةً ودقيقةً؟
أشعر بالإشفاق على الطالب الذي نلقِّنه منذ يصبح في الصفِّ الثالث الإعداديِّ هذه القاعدة .. التي نعلِّمها إيَّاها على أنَّها مسلَّمةٌ من المسلَّمات .. ثم يُفاجَأ بعدها بنفس المعلِّم الذي حفَّظه هذه القاعدة يأتيه بقطعة لا يُعرَب فيها المعرَّف بـ (أل ) بدلا، رغم وقوعه بعد اسم الإشارة .. ولسان حاله يقول: ولماذا – إذن – قلتم لنا ذلك؟
في رأيي الشخصيِّ المتواضع أنَّه ليصحَّ إعراب المعرَّف بأل بعد اسم الإشارة بدلا، لا بدَّ من توفُّر شرطين:
الأوَّل: أن يشير اسم الإشارة إلى المعرَّف بـ (أل ) بعده .. أو يعود عليه
ففي قولنا: هذا الكتاب مفيد؛ فإن إعراب (الكتاب ) : بدل؛ لأنَّه هو نفسه المشار إليه.
أمَّا في قولنا: العلم مفيد، ويعلم هذا القاصي والداني؛ فإنَّ إعراب (القاصي ) : فاعل، وليس بدلا؛ لأنَّه ليس المشار إليه، وإنَّما المشار إليه هو (حقيقة كون العلم مفيدًا ) .
والثاني: ألا يكوِّن اسم الإشارة والمعرَّف بـ (أل ) بعده جملةً اسميَّةً من مبتدأ وخبر.
كقولنا: هذا المتَّهم، جوابًا لمن سأل: أين المتَّهم؟
ملاحظة: وممَّا يُضَاف إلى ما سبق أنَّنا لا يجب أن ننسى أبدًا أنَّ (الأصول تأتي قبل الفروع ) ، ومن أهمِّ الأصول أن يكون للمبتدأ خبر، وأن يكون للفعل فاعل.
فلو قلنا: هذا الكتاب مفيد؛ فإنَّ إعراب (الكتاب ) : بدل؛ وذلك لثلاثة أسباب:
1 – (الكتاب ) هو نفسه المشار إليه.
2 – (هذا الكتب ) ليست جملةً اسميَّةً من مبتدأ وخبر؛ لأنَّ (مفيد ) : خبر.
3 – اُستُكمِلت أصول الجملة، وهما الركنان الأساسيَّان: المبتدأ، والخبر.
أمَّا قولنا: هذا الكتاب المفيد؛ فإنَّ إعراب (الكتاب ) : خبر؛ والسبب أنَّ هناك حقيقتين مؤكَّدتين في هذه الجملة: أنَّ (الكتاب ) مبتدأ، وأنَّ (المفيد ) نعت؛ فإذا كنَّا سنعرب (الكتاب ) مبتدأ، و (المفيد ) نعتًا، و (الكتاب ) بدلا؛ فأين الخبر إذن؟
إنَّ (الخبر ) أصل، و (البدل ) فرع؛ لأنَّه مجرَّد (تابعٍ ) من التوابع، وجميع التوابع يصحُّ حذفها من الجملة دون أن يتأثَّر المعنى؛ ولذا تُعرَب كلمة (الكتاب ) خبرًا.
وتلخيصًا لما سبق أقترح صياغة القاعدة كالتالي:
المعرَّف بـ (أل ) بعد اسم الإشارة يُعرَب بدلا، بشرط أن يكون هو نفسه المشار إليه، وألا يكوِّن المعرَّف بـ (أل ) مع اسم الإشارة جملةً اسميَّةً من مبتدأ وخبر.
فما رأيكم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top