مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

الدُّروس الخصوصيَّة .. مَن الظَّالم؟ ومَن المظلوم؟

معركة عبثيَّة لا تنتهي إلا لتبدأ، وأذكر أنَّه من أيَّام (حسين كامل بهاء الدِّين )، ثمَّ (أحمد فتحي سرور )، وما تلاهما من وزراء التَّعليم، وانتهاءً بالوزير الحاليِّ، وهذه القضيَّة هي الشُّغل الشَّاغل لهم جميعًا، كلٌّ منهم وعد في بداية عهده، أوَّل ما وعد (وما أكثر وعودهم!! ) بالقضاء على ظاهرة الدُّروس الخصوصيَّة، وتقع وسائل الإعلام، ويقع المجتمع، في كلِّ مرَّةٍ، ضحيَّة هذا التَّدليس؛ فيهلِّلون، ويحتفون، وينشرون خطَّة الوزير الهمام غير المسبوقة (في كلِّ مرَّة غير مسبوقة!! ) للقضاء على ظاهرة الدُّروس الخصوصيَّة، ولكنَّ الدُّروس الخصوصيَّة لا تنتهي، ولم تنتهِ .. ولن تنتهي.

اللَّافت في هذه المعركة العبثيَّة أنَّ أطرافها جميعًا، كلًّا منهم يغنِّي على ليلاه:
1 – الدَّولة:

تنافق أولياء الأمور المطحونين قهرًا وكمدًا وفقرًا وانسحاقًا، وتحاول أن تشتري ودَّهم، عبر الادِّعاء برفضها لظاهرة الدُّروس الخصوصيَّة، والقضاء عليها، وتداري على فشلها في كلِّ الأصعدة بالادِّعاء أنَّها متعاطفة مع أولياء الأمور، وأنَّها ترفض طمع المعلِّمين وما يحمِّلونه لميزانيَّة الأسرة المصريَّة من أعباء إضافيَّة.

الطَّريف أنَّ الدَّولة لم تستحِ أن تعبِّر صراحةً وتلميحًا عن حقدها على المعلِّمين الطَّمَّاعين الذين يستأثرون وحدهم بمليارات يتمُّ تداولها كلَّ عامٍ في سوق الدُّروس الخصوصيَّة، فحاولت أن تأخذ نصيبها من الكعكة والدُّخول كشريك، عبر التَّرويج بكلِّ السُّبل لـ (المجموعات المدرسيَّة ) البائسة، التي لم تجد مَن يعملون بها إلا أنصاف المعلِّمين غالبًا، الذين فشلوا فشلا ذريعًا في تثبيت أقدامهم في السُّوق؛ فكان من الطَّبيعيِّ أن يتعامل معها الطُّلاب وأولياء الأمور (الذين حاولت الدَّولة استمالتهم وشراء ودِّهم ) باستخفاف حوَّلها إلى مجرَّد نكتة.

2 – أولياء الأمور:

الذين يعانون أفدح المعاناة في تأمين الاحتياجات الأساسيَّة لأسرهم، في ظلِّ أزمةٍ اقتصاديَّةٍ خانقةٍ، ومع ذلك يقبلون وبكلِّ قوَّةٍ على إلحاق أبنائهم بمجموعات الدُّروس الخصوصيَّة، وخوض الأهوال في سبيل ذلك، ودفع الغالي والرَّخيص لتغطية تكاليفها المرتفعة، على أمل أن يصبح (المحروس ) طبيبًا ينتشلهم من بؤسهم، فتكون النَّتيجة أنَّ (المحروس )، وبعد أن (يقلَّب ) أسرته ظهرًا لبطن، ويتركهم قاعًا صفصفًا لا يملكون شيئًا، يفشل غالبًا في الالتحاق بكلِّيَّة الطِّبِّ الموعودة؛ فينقلب وليُّ الأمر على المعلِّمين الاستغلاليِّين الذين لا يراعون الأحوال الاقتصاديَّة لأولياء الأمور، وغالبًا لا يتذكَّر هذا الاتِّهام إلا بعد أن يخسر كلَّ شيءٍ.

3 – أمَّا بالنِّسبة للضِلع الأخير وهم المعلِّمون، فحدِّث ولا حرج:

حاول المعلِّمون الاستفادة من هلع الدَّولة، ورغبتها العميقة في الحصول على رضا أولياء الأمور، بأن يساوموا الدَّولة على حلِّ هذه المشكلة، بتقديم وعدٍ عبثيٍّ لا سبيل لتحقيقه على الإطلاق، وهو إيقاف الدُّروس الخصوصيَّة، مقابل تحسين الأوضاع المادِّيَّة للمعلِّمين وتقديم رواتب لائقة تغنيهم عن اللُّجوء لخيار الدُّروس.

المضحك حتَّى البكاء، أنَّ من طالب بذلك، وتعهَّد بالتَّوقُّف عن إعطاء الدُّروس الخصوصيَّة، هم المعلِّمون الذين لم يسبق لهم ولا مرَّة واحدة في حياتهم أن أعطوا دروسًا!!!! إمَّا لأنَّ موادَّهم ليست من موادِّ الدُّروس أصلا، وإمَّا لأنَّهم فشلوا في إثبات أنفسهم في السُّوق، ولم يتمكنوا من تثبيت أقدامهم به.

أمَّا أباطرة الدُّروس الخصوصيَّة فهم ليسوا على استعدادٍ للتَّخلِّي عن هذا البيزنيس، ولو رفعوا رواتبهم إلى 400 ضعف!!

هذه هي الحقيقة، فرغم أنَّ الوضع المادِّيَّ للمعلِّم مهين، وغير آدميٍّ، ولا مقبول، إلا أنَّ الحقيقة الباهرة أنَّه مهما تحسَّن الوضع الماليُّ للمعلِّمين (ولن يتحسَّن للأسف ) فلن تتوقَّف تلك الظَّاهرة.

هناك معلِّمون يعطون دروسًا بعشرات الآلاف، وهم يدركون أنَّها الدَّجاجة التي تبيض ذهبًا، مع اعترافي بأنَّه ليس كلُّ معلِّمٍ يعطي دروسًا خصوصيَّةً يعيش في هذه الرَّفاهيَّة، وإنَّما هي فئة المحظوظين فقط.

ولكنَّ السُّؤال: العيب في مَن بالضَّبط؟
– في الدَّولة التي عجزت طوال عقود، وستعجز لعقودٍ كثيرةٍ قادمةٍ، عن تأمين وضعٍ إنسانيٍّ يليق بالمعلِّم الذي هو اللَّبنة الأولى في بناء المجتمع الصِّحِّيِّ السَّليم، كما تراه أيُّ دولةٍ محترمةٍ ومتحضِّرةٍ؟

– أم في أولياء الأمور الذين يفعلون المستحيل، ويتحمَّلون كلَّ الضُّغوط، في سبيل إلحاق أبنائهم بتلك الدَّروس، بدون إكراهٍ من أيِّ نوعٍ، وهذه هي الحقيقة التي يجب عليهم رغم كلِّ شيءٍ أن يعترفوا بها؛ حيث لا إكراه غالبًا في مجال الّدُّروس الخصوصيَّة، وأبسط دليلٍ أنَّ أكثر من 90 % من الطُّلاب ربَّما يأخذون دروسًا عند معلِّمين آخرين غير المعلِّمين الذين يدرِّسون لهم في المدرسة، فما مصدر الإكراه إذن؟؟

– أم في المعلِّمين الذين حوَّلوا العلم إلى تجارةٍ، ومنهم مَن لا يراعي إلا ولا ذمَّة، ولا يعفي من المصاريف أحدًا ولو كان يتيمًا.

أقسم بالله العظيم إنَّني أعرف معلِّمًا تأتيه الأرملة بطفلها الصَّغير، وترجوه أن يعفيها ولو من جزءٍ من المصاريف، فيقول لها: مفيش معاكِ ما تعلِّميهش!!!!

فهل هذا هو العلم؟ وهل هؤلاء هم المعلِّمون أصحاب الرِّسالة؟

والسُّؤال الأهمُّ:
هل يمكن أن تنتهي ظاهرة الدُّروس الخصوصيَّة؟
والإجابة: بالقطع، لا؛ فمن المستحيل أن تنتهي، مهما اتَّخذت الحكومة من إجراءاتٍ، والمسئولون الذين يروِّجون لهذه الخرافة، وأقصد بها خرافة القضاء على الدُّروس الخصوصيَّة، يدركون استحالة ذلك، ويدركون كذب تصريحاتهم، ولكنَّها مجرَّد تصريحاتٍ لتهدئة الرَّأي العامِّ، وابتزاز أولياء الأمور، وتلميع صورة هؤلاء المسئولين، ولسان حالهم يقول: هو الكلام بفلوس؟؟!!

وللمزايديدين:
1 – ليس كلُّ المعلِّمين جشعين وشرهين للمال، ومنهم أصحاب رسالةٍ عظماء نبلاء، ومنهم مَن يعفي اليتيم والفقير، ولكنَّهم – في رأيي – قلة.

2 – إذا كنت لم تفهم مقالي أو موقفي من قضيَّة الدُّروس الخصوصيَّة، فموقفي هو: الدُّروس ليست عيبًا، وليست حرامًا، ولكنَّ الإكراه فيها طبعًا جريمة تستوجب الضَّرب بيدٍ من حديد، والمغالاة في أسعارها جريمة في حقِّ العلم وفي حقِّ الإنسانيَّة، وفي حقِّ أهلنا.

3 – رغم كلِّ شيء، فالمعلِّمون لا يتسوَّلون من الدَّولة عندما يطالبون بتحسين أوضاعهم المادِّيَّة؛ فهذا أقلُّ حقوقهم كمعلِّمين، وهذه هي بداية الطَّريق الصَّحيح للنَّهضة، ولكنَّني أدرك أنَّه لا أمل، في المستقبل القريب على الأقلِّ، في تحقيق ذلك، في مجتمعٍ يقع في الحضيض اقتصاديًّا.

4 – بكلِّ نزاهةٍ وشفافيَّةٍ، أقرُّ بأنَّني أعطي القليل من الدُّروس الخصوصيَّة في النَّحو بمنزلي، بأسعارٍ رمزيَّةٍ: 30 جنيهًا للمرحلة الإعداديَّة، و 40 جنيهًا للمرحلة الثَّانويَّة، وأعفي حوالي 40 % من أعداد الطُّلاب من الدَّفع لاعتباراتٍ مختلفةٍ، وأعطي دوراتٍ مجَّانيَّةً في النَّحو على الانترنت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top