مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

المنسِّق العامُّ للمبادرة أ/ يسري سلال

هل خذل المجتمع المعلِّمين، أم خذلنا أنفسنا؟!!

ملاحظة مبدئيَّة:
العنوان مقتبس من عنوان مقالٍ للدُّكتور/ رفعت سيِّد أحمد، نُشِر منذ سنواتٍ بعنوان (هل خذلَنَا علي عزَّت بيجوفيتش، أم خذلنا أنفسنا؟ ) ، تعليقًا على إعلان (علي عزَّت بيجوفيتش ) رئيس جمهوريَّة (البوسنة والهرسك ) وقتها عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد ما فعله العرب والمسلمون ومساندتهم للـ (بوسنة والهرسك ) إزاء حرب الصِّرب ضدَّها وقتها.

وقبل أن تقرأ نصَّ المقال، أرجو قراءة التَّلميح التَّالي:
منذ سنواتٍ شاهدتُ لقاءً تليفزيونيًّا قصيرًا للمفكِّر الكبير الدُّكتور/ أحمد كمال أبو المجد، والذي حكى موقفًا حدث له في مطارٍ أمريكيٍّ، إذا لم تخنِّي الذَّاكرة، حيث طُلِب منه أن يخلع الحذاء للتَّفتيش، رغم تقدُّمه في السِّنِّ من ناحيةٍ، ومكانته المرموقة من ناحيةٍ أخرى، وقد كان هذا الإجراء من باب التَّوجُّس، ومدفوعًا بالهستيريا التي سادت مطارات العالم وقتها، والمطارات الأمريكيَّة على وجه الخصوص، عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وقد كان الدُّكتور/ أحمد كمال أو المجد يحكي الموقف من باب النِّقمة على هذه الإجراءات، والغضب من عنصريَّة دول الغرب ضدَّنا، وتصويرنا على أنَّنا (إرهابيُّون محتملون ) ، ورغم تعاطفي مع منطقه، وإيماني الكامل بعنصريَّة الغرب ضدَّنا، إلا أنَّني لم أتمالك نفسي أن أسألها (أسأل نفسي ) هذا السُّؤال: (هل ظلمَنا الغرب بتصوير كلِّ مسلمٍ على أنَّه إرهابيٌّ محتملٌ، أم ظلَمَنا بنو جلدتنا الذين اعتادوا تفجير أنفسهم في مثل هذه التَّجمُّعات معتبرين ذلك [جهادًا ] ) ؟؟!!

وعودة إلى المقال لأسأل نفسي اليوم سؤالا مشابهًا: هل ظلَم المجتمع المعلِّمين، أم ظلمنا أنفسنا؟
وقبل أن أستطرد، وحتَّى لا يغضب منِّي، وعليَّ، المعلِّمون، أُقِرُّ مبدئيًّا بما يلي:

1 – الوضع الماليُّ للمعلِّمين غير آدميٍّ، ولا يوجد تقديرٌ لدورهم من هذه النَّاحية بالمرَّة، ووضع المدرِّس في وطنه ربَّما كان الأسوأ على مستوى العالم.

2 – الوضع في المدارس أكثر سوءًا، ويتمُّ إسناد أعمالٍ إضافيَّةٍ للمعلِّم لا تمتُّ لتخصُّصه بصلة.

3 – النَّظرة للمعلِّم مجتمعيًّا متدنِّية غالبًا، ويُنظَر إليه في الغالب بوصفه وحشًا آدميًّا لا يعنيه إلا كنز المال من الدُّروس الخصوصيَّة.

ورغم كلِّ ذلك، وغيره، ورغم وقوع ظلمٍ شنيعٍ على المعلِّمين على كافَّة الأصعدة، فإنَّني اليوم أدعوكم لأن نتجرَّد جميعًا لله، وأن ننقد أنفسنا بأنفسنا، وأن ننقِّي الثَّوب الأبيض ممَّا عَلَقَ به:
علمًا بأنَّني مؤمن بأنَّ المعلِّمين ليسوا (شياطين ) شرهين لجمع المال، كما يصوِّرهم قطاعٌ عريضٌ في المجتمع، ولكنَّني مؤمن أيضًا أنَّهم ليسوا (ملائكةً ) ، كما يصوِّر الكثير من المعلِّمين أنفسهم، وأنَّ من المعلِّمين مَن هم (أصحاب رسالة ) ، ولكنَّ منهم أيضًا مَن هم عارٌ على مهنة التَّعليم؛ فمهنة المعلِّم – كأيِّ مهنةٍ أخرى – لا تخلو من الجيِّد، ولا تخلو من الرَّديء، وسأركِّز في دراستي – من باب نقد الذَّات – على عيبين رئيسيَّين يلتصقان بالمعلِّم اليوم:

العيب الأوَّل: الدُّروس الخصوصيَّة.

والعيب الثَّاني: ضعف الكثير من المعلِّمين في مجال تخصُّصهم، وافتقادهم لمؤهِّلات العمل كمعلِّمين (وسأركِّز هنا على اللغة العربيَّة، وعلى النَّحو على وجه الخصوص ) .

– ففيما يتعلَّق بالدُّروس الخصوصيَّة:
فإنَّ ما أؤمن به أنَّها ليست عيبًا، وليست خطأ، وليست جريمة؛ فالمعلِّم – كالطَّبيب – يُفترَض أنَّه يؤدِّي واجبه على أكمل وجه في محلِّ عمله، ولكنَّه يضع خبرته في خدمة مَن يشاء بعد انتهاء عمله، بمقابلٍ مادِّيٍّ؛ فكما أنَّ من حقك أن تزور الطَّبيب في المستشفى العامِّ، ليخدمك بكلِّ تفانٍ وإخلاص، ومن حقِّك كذلك أن تذهب إليه في عيادته الخاصَّة مستعدًّا لدفع قيمة الكشف، فكذلك من حقِّك كطالب أن تكتفي بالاستفادة من خبرة معلِّمك مجَّانًا داخل الفصل، وعليه ألا يبخل عليك بجهدٍ أو معلومة، ومن حقِّك طلب هذه الخبرة خارج أسوار الفصل الدِّراسيِّ بمقابلٍ خاصٍّ، وليس من حقِّ الدَّولة أن تتدخَّل في اختيارك كمريض، ولا في اختيارك كطالب.

فقط من حقِّ الدَّولة أن تضمن بكلِّ السُّبل أنَّ المعلِّم سيؤدِّي واجبه على أفضل وجهٍ داخل المدرسة، كما يؤدِّيه خارجها، وأنَّ الطَّالب غير القادر مادِّيًّا سيحصل على الخبرة التي يحتاجها كاملةً غير منقوصة، دون أن يكون مضطرًّا لطلب هذه الخدمة خارج أسوار المدرسة نظير مبلغٍ مادِّيٍّ.

كما أنَّ من حقِّ الدَّولة، بل ومن واجبها، أن تضمن أنَّ المدرِّس لن يمارس أيَّ نوعٍ من الضَّغط على الطَّالب في سبيل إجباره على الالتحاق بمجموعات الدُّروس الخصوصيَّة.

بخلاف ذلك، فلا توجد مشكلة في الدُّروس الخصوصيَّة، إلا أنَّ ما يعنيني هنا، وما سأتناوله – من باب نقد الذَّات – هو ظاهرتان سلبيَّتان خطيرتان ومسيئتان تتعلَّقان بالدُّروس الخصوصيَّة:

أ – الأحقاد، والحروب غير النَّزيهة:
أسوأ ما في الدُّروس الخصوصيَّة ما تثيره من الأحقاد، وأنا لا أقصد هنا ما قد يرد على أذهانكم من حق4د شريحةٍ كبيرةٍ من المجتمع على المدرِّسين الذين يعطون دروسًا خصوصيَّة، وإنَّما أقصد الأحقاد في نفوس الزُّملاء العاملين في هذا المجال وبعضهم البعض؛ فلأسف، حوَّل غالبيَّة مَن يعملون في هذا المجال، الدُّروس، لساحة معركةٍ داميةٍ، وحرب غير شريفة، تُستعمَل فيها كلُّ أنواع الأسلحة المحرَّمة، بدءًا من التَّشنيع على المنافسين، ورميهم بأحطِّ الصِّفات، وأشنع الألفاظ، ومرورًا بتدبير المؤامرات، وانتهاءً بإعلان الحرب على الشَّرف والضَّمير والخلق القويم؛ في سبيل الفوز بـ (الزُّبون ) ، دون أدنى مراعاةٍ لحرمة العِرض، وسموّ هدف وغاية مهنة التَّدريس، التي ابتذلناها وحوَّلناها إلى ساحة للنِّزاع والصِّراع والحروب غير الأخلاقيَّة.

ب – المغالاة غير المقبولة في الأسعار:
وصلت تكلفة الدُّروس الخصوصيَّة في بعض المناطق إلى حدود قياسيَّةٍ غير منطقيَّةٍ وغير مقبولة، وقد سمعتُ بأذني أحد المعلِّمين الغاضبين من ثورة البعض على ارتفاع تكلفة الدُّروس الخصوصيَّة قائلا في غيظ: أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ .. (يروحوا يتشطَّروا على الحكومة التي تسوقهم كالأنعام وترفع الأسعار متى شاءت ) !!
يفترض سيادته أنَّ الشَّعب الذي يقبل بطش الحكومة صاغرًا وبلا حيلة، عليه أن يعامل سيادته بالمثل؛ فيخضع له صاغرًا، باعتبار أنَّ (جحا أولى بلحم ثوره !! ) ، وأنَّ على الشَّعب أن يعطي الفرصة للمعلِّمين لكي يمصُّوا دمه، كما أعطى الفرصة للحكومات المتعاقبة بمصِّ دمه كيف شاءت!!

وهذا قياسٌ ظالم؛ فالحكومات وُجِدت لتكدير حياة شعوبها، وهذه هي مهمَّتها منذ خلق الله الأرض ومَن عليها، أمَّا المعلِّم فهو رسول رحمة، وصاحب رسالة، وعلاقة (الشَّعب ) بـ (المعلِّم ) تختلف عن علاقة (الشَّعب ) بـ (الحكومة ) ؛ فبينما تعتبر (الحكومة ) (الشَّعب ) هو البقرة التي على الحكومة أن تحلبها بكلِّ السُّبل حتَّى يجفَّ ضرعها، فإنَّ (الشَّعب ) منَّا، ونحن منه، ونحن أحقُّ النَّاس بالإحساس به وبمعاناته، ولا يليق بنا أن نكون سببًا إضافيًّا لمعاناته، بدلا من أن نكون اليد الحانية التي تربِّت عليه، وعندما ترفع الحكومة الأسعار، فإنَّ على المعلِّم بدلا من التَّفكير بطريقة (واشمعنى احنا؟!! ) ، أن يخفض هو أسعاره.

هذه هي الرُّؤية العادلة لدور المعلِّم، أو هذه هي رؤيتي على الأقلِّ.
ولو كان الأمر بيدي لألزمت إخواني بما يلي:
1 – مراعاة الظُّروف المادِّيَّة لأولياء الأمور، وتخفيض الأسعار إلى أقلِّ حدٍّ ممكنٍ.
2 – الدَّرس الخصوصيُّ مجانيٌّ بشكلٍ كاملٍ لفئة غير القادرين، ولليتامى.

العيب الثَّاني:
ضعف الكثير من المعلِّمين في مادَّة تخصُّصهم، وكما قلتُ، فسأقتصر هنا على مادَّة اللغة العربيَّة، بوصفي مدرِّسًا للغة العربيَّة، وسأخصُّ النَّحو بالذَّات:

إذا كنتَ مدرِّسًا للغة العربيَّة، فأرجو أن تتمتَّع بالحدِّ الأدنى من الإنصاف؛ فتعترف معي أنَّ مستوى الكثيرين من معلِّمي اللغة العربيَّة في النحو مُزرٍ، ومسيء، بل ومشين.

وللأسف، تنقطع علاقة المعلِّم – غالبًا – بالمادَّة بعد أن يتخرَّج من الجامعة، مكتفيًّا بالكمِّ الهزيل الذي درسه في الجامعة، والذي ضاع أغلبه أدراج الرِّياح بسبب النِّسيان، فيكتفي بما يدرِّسه لطلابه من موضوعاتٍ.

وإنَّني واللهِ – من خلال عملي بالتَّدريس – عاينتُ أهوالا يشيب لها الولدان:
– مدرِّسة تعتقد أنَّ الفعل المضارع في قولنا: (لم يقم المهمل بواجبه ) مجزوم بحذف حرف العلَّة!!
– وأخرى تقول لطلابها إنَّ الفعل (رأى ) مهموز، وليس ناقصًا؛ لأنَّ الهمزة سبقت الألف!!
وغير ذلك من المهازل التي سأفرد لها مقالا تفصيليًّا.

صدِّقوني ..
لقد خذلنا أنفسنا كمعلِّمين قبل أن يخذلنا المجتمع
وإنَّ النَّظرة المتدنِّية للمعلِّمين لها – أحيانًا – ما يبرِّرها!!

ملاحظة:
يمكنك أن تعتبر مقالي مسيئًا للمعلِّمين، ومن حقِّك – بالطَّبع – أن تختلف معي في بعض، أو حتَّى في كلِّ ما ورد فيه، لكن صدِّقني، لقد كتبتُ المقال بحبٍّ، وهدفي الوحيد هو تنقية الثَّوب الأبيض للمعلِّمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top