أكلتُ دجاجتان – أكلتُ ديكًا وديكًا – ضرب الأب ابنه لأنَّه كان مخمورًا .. وأخواتها
العَتَه المنغوليُّ الذي لا يريد أن ينتهي!!
قبل أن تقرأ ..
الألغاز عامَّةً من الأشياء الممتعة التي تداعب العقل .. لكنَّ ورود مثل هذه العبارات – المذكورة في العنوان – بكتب الألغاز النَّحويَّة القديمة .. أمرٌ يثير العجب .. فهل يعقل أن تكون فكرة هؤلاء النَّاس عن الألغاز النَّحويَّة بكلِّ هذه السَّطحيَّة والتَّفاهة .. بل والتَّلفيق؟!!
(1 ) أكلتُ دجاجتان!!
يسألك شخصٌ ما عن إعراب كلمة (دجاجتان ) في قولك: أكلتُ دجاجتان؛ فتأخذك الدَّهشة من كونها مرفوعةً، رغم وقوعها مفعولا به، وقد تفترض افتراضات عبثيَّة تحاول بها أن تبرِّر هذه اللَّخبطة (كأن تسأل مثلا وأنتَ يائس: فاعل؟!! ) .. فيضحك المتكلِّم ضحكةً صفراء، ثمَّ يقول لك بتباهٍ (معتقدًا بأنَّه سدَّد إليك ضربةً قاضيةً ): إعرابها مفعول به؛ فتزداد حيرتك وتقول: وكيف يكون المفعول به مرفوعًا؟! فيُخرِج أخونا العبقريُّ الفذُّ الكارت الأخير من كُمِّه وهو يشرح لك نظريَّته الجهنَّميَّة: إنَّ كلمة (دجاجتان ) ليست مثنَّى كما توقَّعت أيُّها الخائب!! وإنَّما هناك شخص اسمه (تان )، وأنا أكلتُ دجاجه، ثمَّ يضحك ضحكةً شرِّيرةً وكأنَّه (جاب الدِّيب من ديله!! ).
ولا أكاد أصدِّق أن ترد هذه السَّخافة في كتب الألغاز النَّحويَّة القديمة:
أ – لن أسأل: وهل هناك شخص في الدُّنيا اسمه (تان )؟!! فقط لأنَّني أعرف أنَّ هذا السُّؤال يزعج أستاذنا (عماد غزير )، والذي يرى أنَّه لا تعليل في الأسماء.
ب – حسنًا .. لا تعليل في الأسماء، وسأفترض معكم أنَّ هناك شخصًا اسمه (تان )، ولكنَّ السُّؤال الذي لا يمكن التَّغاضي عنه هو: وما دامت تقصد يا خفيف أنَّ هناك شخصًا اسمه (تان )، وأنَّك أكلتَ دجاجاته، فلماذا ألصقتَ (دجاج ) في (تان )، وكتبتها (دجاجتان )؟ لماذا لم تقل: أكلتُ دجاجَ تان؟!
يقول لك: للإلغاز!!
هذا ليس إلغازًا .. هذا استعباط .. واستظراف .. واستخفاف بالعقول!!
(2 ) أكلتُ ديكًا وديكًا!!
نفس السِّيناريو:
يطلب منك أحدهم – بخبثٍ – أن تعرب (وديكًا )؛ فتقول: اسم معطوف؛ فينتشي، وترتسم علامة النَّصر على وجهه، ويقول لك: وقعت يا حلو!! عليك واحد!! فتستفسر عن السَّبب، فيقول لك: وديكًا يعني (سمينًا )؛ ممَّا يعني أنَّها نعت. (ويتوقَّع منك أن تقع على الأرض من هول الصَّدمة!! ).
لا مشكلة أن يكون قصدك (أكلتُ ديكًا سمينًا )؛ فتكون (وديكًا ) نعتًا فعلا، ولكنَّ ما لا تعرفه يا خفيف أنَّه يمكن عدُّ الواو للعطف أيضًا، وتكون (ديكًا ) بعدها اسمًا معطوفًا، فيكون المعنى (أكلتُ ديكَين )، ولا محلَّ هنا للاعتراض نهائيًّا بقولك: لو أردتُ المثنَّى لقلتُ: أكلتُ ديكَين. لا يا حبيبي، يمكنني أن أقول: أكلتُ ديكًا وديكًا (وأقصد ديكَين )، فقد يكون الديكان مختلفَي النَّوع: الأوَّل سمين، والثَّاني غير ذلك، أو الأوَّل أبيض، والثَّاني أسود مثلا، بل يحقُّ لي قول ذلك، حتَّى مع عدم اختلاف الدِّيك الأوَّل عن الدِّيك الثَّاني. بمزاجي عادي: أكلتُ ديكًا وديكًا؛ لإفادة التَّكثير ربَّما، أو حتَّى بدون أيِّ سببٍ.
ألا يحقُّ لي عندما تسألني وأنا في معرض السَّيَّارات: كم سيَّارةً اشتريتَ؟ أن أشير إلى قسم السَّيَّارات القديمة قائلا: اشتريتُ سيَّارةً، ثمَّ أشير إلى قسم السَّيَّارات الحديثة، وأكمل: وسيَّارةً؟!!
ليس معنى أنَّ حضرتك تستغرب قولي: أكلتُ ديكًا وديكًا (وأنا أقصد ديكَين )، أو لا تستسيغه، أنَّ العبارة غير صحيحةٍ.
(3 ) ضرب الأب ابنه لأنَّه كان مخمورًا!!
أغبى عبارةٍ سمعتها في حياتي على الإطلاق، وليس السُّؤال أشدَّ سخفًا من الإجابة التي تجيب على هذا الهراء بالقول: المخمور هو الابن؛ لأنَّ الضَّمير أقرب إلى الابن!!
الطَّريف أنَّني قرأتُ أنَّ مجمع اللُّغة العربيَّة (ذات نفسه ) تصدَّى للإجابة على هذا السُّؤال اللَّوذَعيّ، الذي تداوله مغيَّبو العقول جيلا بعد جيل، وقد أفتى المجمع العظيم بنفس الفتوى البائسة: المخمور هو الابن!!
ولا يحزنني أن يتداول بعض الأخوة محدودِي المواهب هذه العبارة على صفحاتهم، ويطرحونها على متابعِيهم بصفتها لغزًا نحويًّا فريدًا، كما لا يحزنني أن يردَّ الآلاف على هذا الرُّكام، ولكنَّ أشدَّ ما يحزنني أن أجد أخًا نابهًا وقورًا فذًّا يدلي بدلوه، ويفترض نظريَّات علميَّة من نوعيَّة (الهاء تعود على الابن لأنَّه الأقرب )!!
حسنًا ..
يفترض الجهبذ مخترع هذه العبارة العقيمة (اللي أكيد كان ضارب حاجة )، والفضلاء الذين يناقشونها، ما يلي:
1 – أنَّ الأب هو الذي ضرب الابن.
2 – أنَّ المخمور هو الابن.
وكلُّ هذا عبث ولغو وضحك على الذُّقون:
أوَّلا: قد يكون الابن هو الذي ضرب الأب؛ باعتبار أنَّ (الأب ) مفعول به مقدَّم، و (الابن ) فاعل مؤخَّر: ضرب الأبَ ابنُهُ لأنَّه كان مخمورًا.
وإذا قلتَ لي: وهل يضرب الابن أباه، فإنَّني لستُ واثقًا من ردِّ فعلي وقتها؛ لأنَّ من الأبناء – حسبما أعلم – مَن يضربون آباءهم، ومنهم مَن يقتلونهم أيضًا!! عادي خالص.
كما أنَّ هناك احتمالا أن يكون المخمور هو الابن، واحتمالا أن يكون المخمور هو الأب، وأتوسّل إليكم: اوعوا تعملوا نفسكم من بنها وتقولوا: وهل يليق أن يكون الأب مخمورًا؟!!
ثانيًا: لم أقرأ في حياتي أسخف من الحكم بأنَّ الابن هو المخمور؛ فقط لأنَّ الضَّمير إليه أقرب.
ولهؤلاء العباقرة أقول: افترضوا معي أنَّ الأب ضرب الابن؛ لأنَّ الأب كان مخمورًا، وقلنا: ضرب الأب ابنه لأنَّه كان مخمورًا، ونحن نقصد بالمخمور الأب، فهل هذه العبارة إذن – طبقًا لنظريَّتكم – غير صحيحةٍ نحويًّا؟!! وماذا يُفترَض أن نقول للتَّعبير عن معنى هذه الجملة، والدَّلالة على أنَّ الأب هو المخمور؟!!
واللهِ الذي لا إله إلا هو، أقسم بالله العظيم، إنَّ هذه العبارة التَّعيسة تحتمل الاحتمالات الأربعة التَّالية (وكلُّها احتمالات صحيحة وواردة ):
1 – الأب ضرب الابن؛ لأنَّ الأب كان مخمورًا.
2 – الأب ضرب الابن؛ لأنَّ الابن كان مخمورًا.
3 – الابن ضرب الأب؛ لأنَّ الابن كان مخمورًا.
4 – الابن ضرب الأب؛ لأنَّ الأب كان مخمورًا.
فكفاكم افتكاسات!!!!