مُبَادَرة

نَحْوَ نَحْوٍ ممتعٍ

وخالٍ من الأخطاء

لِلنَّاشِئَةِ (بَدْءًا مِنْ سِنِّ 10 سَنَوَاتٍ )

سلسلة (طلاسمُ نحويَّةٌ لا حلَّ لها ) – الحلقة الخامسة: سبب منع (يحيَى ) من الصَّرف

الكثيرون يتعاملون مع العَلَم (يحيى ) على أنَّه ممنوعٌ من الصَّرف للعلميَّة، وكونه على وزن الفعل، ويتعاملون مع ذلك على أنَّه من المسلَّمات.

هؤلاء النَّاس سيُفاجَئون اليوم أنَّ هذه ليست مسلَّمةً من المسلَّمات كما يتصوَّرون، وأنَّ النُّحاة، وإن كانوا قد أجمعوا على منع العَلَم (يحيى ) من الصَّرف، فإنَّهم قد اختلفوا على سبب هذا المنع:
1 – الفريق الأوَّل أرجعه إلى العلميَّة والعُجمة.
2 – والفريق الثَّاني أرجع المنع إلى العلميَّة ووزن الفعل.

بل والمفاجأة أنَّ الرَّأي الأوَّل هو الأرجح (والله أعلم ).

فبالنِّسبة للفريق الأوَّل:
فقد قال (أبو علي الفارسيّ ): وهو اسم بالعبرانية [صادف ] هذا البناء ، والمعنى من العربية.
أي أنَّ ما يتوَّهمه البعض من شبهه بالفعل هو مجرَّد صدفة.

وقال (أبو إسحاق الزجاج ): و (يحيى ) اسم سماه الله تعالى ، تولى هو – عزَّ وجلَّ – ذلك ، لم يُسمَّ أحد قبل يحيى بيحيى ، ويحيى لا يتصرف.

ويرجح (أبو حيان ) أن الظاهر في (يحيى ) أنه ليس عربيًّا؛ لأنَّه لم تكن عادتهم – أي العجم – أن يسمُّوا بألفاظ العربية، فيكون منعه الصرف للعلمية والعجمة.

والظَّاهر أنَّه لم يكن اسمه في لسان العجم (يحيى )، فقد نُقل عن (أبي بكر النقاش ) أنَّ (يحيى ) كان اسمه في الكتاب الأول (حنَّا)، وحقَّق بعض المفسِّرِين اسمه في الإنجيل أنَّه (يوحنَّا ) .

فيحتمل أنَّه باسمه في الإنجيل لمَّا عرَّبته العرب غَيَّرت في لفظه ليناسب معنى في العربيَّة.

إذن، فرأي هذا الفريق أنَّ:
أ – هذا الاسم أعجميَّ الأصل.
ب – لم يُعرَف عن العرب تسميتهم بهذا الاسم نسبةً إلى الفعل.
ج – هذا الاسم محرَّفٌ عن اسمٍ أعجميٍّ محضٍ وهو (حنَّا )، أو (يوحنَّا ).
د – عندما نقل العرب هذا الاسم عن العجم، وعرَبوه، (تصادف ) تشابُه هذا العَلَم مع الفعل؛ فتوهَّم البعض أنَّه مُنِع من الصَّرف لشبهه بالفعل.

الفريق الثَّاني رأى غير ذلك:
فقد رأوا أنَّ هذا العَلَم مُنِع من الصَّرف للعلميَّة والشَّبه بالفعل المضارع.

وقد احتدم هذا الخلاف، ولم يُحسَم أبدًا حتَّى اليوم.

رأيي الشَّخصيُّ (المتواضع ):
1 – العَلَم (يحيى ) القديم، والوارد في القرآن، ممنوعٌ من الصَّرف للعلميَّة والعجمة، وهذا هو الغالب.

2 – العَلَم (يحيَى ) في العصر الحديث ممنوعٌ من الصَّرف للعلميَّة، والشَّبه بالفعل، غالبًا، وخصوصًا إذا كُتِب بالألف (يحيا )؛ فـ (يحيا ) عندما كُتِب بالألف انتفت تمامًا شبهة العجمة؛ لأنَّ الأعلام الأعجميَّة على هذا الشَّكل لم تُكتَب إلا هكذا (موسى – عيسى – يحيى )، ولأنَّ الذَّائقة اللُّغويَّة المعاصر تتعامل مع هذا العَلَم غالبًا على أنَّه الشَّبيه بالفعل، والدَّليل الحاسم هو القول المشهور:
أسميته يحيى (يحيا ) ليحيا
فمن البدهيِّ أنَّ من سمَّى ولده (يحيا ) هنا سمَّاه كذلك تيمُّنًا بمادَّة (حيا )؛ ممَّا يقطع بالشَّبه بالفعل.

3 – لحسن الحظِّ فإنَّ هذا الخلاف هامشيٌّ؛ إذ المهمُّ أنَّ العَلَمَ (يحيى ) ممنوعٌ من الصَّرف بلا خلاف، سواءً أكان المنع للعلميَّة والعجمة، أم للعلميَّة والشَّبه بالفعل.

4 – نفس الخلاف تقريبا حدث ما بين النُّحاة فيما يخصُّ العَلَم (آدم )؛ ففريقٌ رأى منعه للصَّرف راجعًا للعلميَّة والعجمة، وفريق رأى المنع عائدًا للعلميَّة والشَّبه بالفعل؛ على أنَّه مشتقٌّ من (أدم ) أو (الأدمة ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top